هذه اعتراضات المشركين ومطالبهم التي يتحدون بها النبوة، والآيات الكريمات صور من المجادلات التي كانت تقع بين النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولنقبض قبضة من السيرة الطاهرة تبين وقائع هذه الآيات الكريمات الساميات:
ذكر ابن إسحاق في السيرة أن رؤساء قريش الذين كانوا يقودون الشرك اجتمعوا عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فكلموه وخاصموه حتى تُعذروا، فبعثوا إليه فجاءهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو يظن أن قد بدا لهم بَدْو، وكان حريصا يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، فلما جلس إليهم قالوا له: يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا واللَّه لَا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة، فما من أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا فنحن نسودك علينا، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه غلب عليك بذلنا أموالنا في طلب شفائك حتى يُبرئك منه أو نعذر فيك.
قال لهم رسول - صلى الله عليه وسلم -: ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن بعثني اللَّه إليكم وأنزل عليَّ كتابا أمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئت به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر حتى يحكم اللَّه بيني وبينكم.
قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس من أحد أضيق بلدا ولا أقل ماء ولا أشد عيشا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسيِّر عنا هذه الجبال التي ضيَّقت علينا وليبسط لنا بلادنا، وليخرق لنا أنهارا كأنهار الشام، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث قصي بن كلاب فإنه شيخ صدق.