قَدَرَهُ أن تَعَرَّف مقداره بكيل أو وزن أو قياس، ولما صارت تطلق على العقلاء كانت بمعنى تقدير المعاني، والمعنى هنا (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ) ما علموه حق العلم، وما عظموه حق التعظيم، إذا اعتقدوا أن الله لَا يبعث بشرا رسولا؛ لأن ما خلق هذا الوجود الإنساني عبثا، بل بعثه ليتحمل الأمانة التي حملها بمقتضى فطرته، وليكون خليفة في الأرض وما كان ليبعثه، ويتركها من غير بشير ونذير، يرشده إلى الحق، وينذره لكيلا يقع في الآثام، فكان من مقتضى الحكمة الإلهية أن تكون الرسالة الإلهية ليهدي الرسول ويرشد، وينذر، ويجنب الإثم والشر (. . . وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)، وقال تعالى:(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نبْعَثَ رَسُولًا).
أنكر المشركون الرسالة الإلهية، وأنكر اليهود أن تكون في العرب، فرد الله تعالى كلامهم بالحجة الباهرة وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يورد الحجة على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك كل أمر يرد الله به على باطل المعاندين يأمر رسوله أن يتولى هو الرد عليهم، بما أوحى الله تعالى به، وهذا ما يلاحظه المتتبع لكتاب الله تعالى بترك الرد على باطلهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأمره وبيانه.
قال الله تعالى آمرا نبيه:(قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَذِى جَاءَ بِهِ موسَى). أي بينا واضحا كالنور في تكليفاته ومعانيه، ليكون مصدر الهدى للناس، يعلمون التكليفات والعقائد السليمة منه، ويرشدهم إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، إن أطاعوه، وأخذوا بما فيه، واهتدوا بهديه.