للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ) فالمثل هو الحال والشأن، ومعنى ابتغاء مرضاة الله طلب رضاه سبحانه وتعالى الدائم المستمر، فالمرضاة مفعلة من الرضا، فهي مصدر ميمي من الرضا، وهو أقوى في الدلالة من معنى الرضا، إذ المعنى فيها الرضا الثابت الدائم الذي لَا يكون معه أي غضب من الولي العزيز الحكيم القوي القهار، فهو ينفق طالبا قويا موثقا رضا الله سبحانه وتعالى رضًا دائمًا مستمرًا.

وأما معنى (وَتَثْبِيتًا) فقد اختلفت عبارات المفسرين حولها، وإن انتهت إلى الاتفاق على مغزاها ومرماها؛ وإن أصل معنى ثبت قوى حقيقة ودعمها، ومن ذلك قوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، ويقال ثبت فلان في الأمر أي صحت عزيمته فيه وداوم عليه؛ ويقال أيضًا: ثبَّتُ فلانًا في الأمر، أي جعلته ثابتًا فيه لَا يتزعزع عنه ولا يضطرب، وقويت رأيه فيه.

والمعنى على ذلك: أن أولئك المتقين من المنفقين ينفقون طلبًا لرضا الله الدائم عليهم وتثبيتًا من أنفسهم أي تقوية لليقين والإيمان والاحتساب إلى الله تعالى، وتلك التقوية وهذا التثبيت صادر عن أنفسهم، فهم يربون أنفسهم على الإيمان واليقين، فـ " مِنْ " في قوله تعالى: (وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ) هي " من " التي تكون بمعنى الابتداء، أي أن التثبيت مبتدئ من أنفسهم، فهم يزكونها وينقونها ويراقبونها، لكيلا يدخلها أي معنى من معاني الرياء والنفاق، أو الاتجاه إلى المَنِّ والأذى؛ وفي هذا إشارة واضحة إلى أنهم ينفقون ما ينفقون قاصدين وجه الله تعالى، وأن ذلك القصد يستمر دائمًا، فلا يجيء وقت يمنون فيه ويؤذون؛ لأن الثبات يقتضي الاستمرار على حال واحدة، وهي حال ابتغاء رضا الله وحده، لَا يرجون من غيره جزاء ولا حمدًا ولا ثناء، ولا يبتغون بغير رضا الله بديلا.

ويصح أن يكون معنى (وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ) أي يقينًا وإيمانًا صادرًا من أنفسهم فالمعنى على هذا أن أولئك المنفقين المخلصين يتفقون طالبين رضا الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>