للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (٢٦)

صدّر سبحانه وتعالى الآية الكريمة بلفظ الجلالة الذي يطالبهم اللَّه تعالى بعبادته وحده من غير أن يشركوا به شيئا، ويبين سبحانه أنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء، أي يمده ويجعله ممدودا واسعا، ويقدره لمن يشاء أي يجعله محدودا قليلا، كقوله تعالى: (. . . وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّف اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا. .).

والمعنى في تصدير الآية بلفظ الجلالة هو أن اللَّه تعالى هو الذي بسط لكم الرزق، فكان حقا عليكم أن تشكروا لَا أن تكفروا وتشركوا أحجارا. وهو الذي قدر الرزق للضعفاء والفقراء فصبروا فحق لهم التكريم وحسن الجزاء، ولا يستوي المحسن والمسيء، ولا الأعمى والبصير.

وإن اللَّه الذي بسط الرزق وقدره لم يجعل أمر الدنيا في السعة والضيق دليلا على الرضا أو البغض إنما هذا للاختبار، فهو سبحانه وتعالى يختبرنا بالتوسعة ويطالب بالشكر، ويختبر بالقدر والضيق ويطالب بالصبر، وكل له جزاؤه.

وإن أولئك المشركين بسط اللَّه تعالى لهم في الرزق فلم يشكروا، ولأن الشكر يقتضي أن يحسوا بفضل المنعم، لَا أن يحس فقط بالاستمتاع بما أعطى، والاستطالة به على الناس وإن ذلك ينشأ من الفرح ببسط الرزق، لَا ينشأ من القيام بحق الشكر؛ لأن إحساس المؤمن بأنها ابتلاء، كما قال تعالى: (. . . وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً. . .)، وإحساس الكافر بأنها متعة ينتهزها.

ولقد قال في ذلك: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أي إن الكافرين فرحوا بما بسط اللَّه تعالى من الدنيا، ففرحوا بها فرحا أدى إلى أن بطروا معيشتهم، وغمطوا الناس حقوقهم، وإن فرحهم بالحياة الدنيا لم يكن فرحا يذوقون حلوها ومرها، بل فرح استعلاء واستغواء لَا يلاحظون إلا أنها متعتهم يستكبرون بها على غيرهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>