للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ منْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لمَا مَعَهُمْ) أخبر سبحانه وتعالى أنهم جاءهم كتاب، وهو قد جاء مع رسول من بني إسماعيل عليه السلام بهذا الكتاب، فذكر الكتاب، وهو يقتضي أن يكون مع رسول، فأعلم بالكتاب لأن الأمر أنه كتاب يشتمل على المواثيق مثل المواثيق التي أخذت عليهم، ونقضوها، فهو ميثاق جديد للمواثيق التي جاءتهم من قبل، ولم يذكر اسم الرسول، لأن الاعتبار لهذا الكتاب الذي وصفه الله تعالى بوصفين أنه من عند الله تعالى، وما يكون من عند الله جدير بأن يتقبلوه بقبول حسن، وأن يأخذوه بمأخذ الطاعة لأوامره ونواهيه، والوصف الثاني أنه مصدق لما معهم فهو مصدق لما جاء في التوراة من وصف للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومصدق للمواثيق التي أخذت عليهم من ألا يعبدوا إلا الله ولا يشركوا به شيئا، وأن يحسنوا إلى الأبوين وذوي القربى واليتامى والمساكين، وابن السبيل، وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وأن يقولوا للناس حسنا من القول، ويترتب على ذلك المعاملة الطيبة، وإن هذا النبي الذي جاء معه الكتاب الذي أنزله الله تعالى، وهو مصدق لما معهم من أوامرٍ ونواهٍ ومواثيق أخذت عليهم بقوة - قد كانوا يعلمون بمجيئه ويتوقعونه.

ومعنى تصديق الكتاب لما معهم أنه تصديق لما معهم من كتاب كانوا يكتبونه بأيديهم، ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، حتى يجيء بعض البهتانيين الكاذبين من دعاة نصرانية بولس، فيقولون إن القرآن صدق ما بأيديهم من محرف التوراة المحرفة والمنحرفة والإنجيل المحرف، إنما صدق القرآن الأوامر الأصلية مما اشتمل المواثيق التي أخذت عليهم بقوة، ولم يصدق الذي حرفوه ولا المنحرف عن الحق والخلق المستقيم، كالذي اشتملت من أن نبي الله داود زنى بحليلة جاره، وأرسله إلى الميدان ليخلو له وجه عشيقته، ذلك إفك بين لَا يليق بأخلاق نبي جعله الله تعالى خليفته في الأرض ولا يليق بذي خلق كريم، فهل هذا ما صدق به

<<  <  ج: ص:  >  >>