للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكتاب ما معهم، ذلك هو الضلال البعيد، ولن يكون في كتاب منزل من عند الله، ولا يدّعيه إلا الذين هوت نفوسهم إلى مثل هذا الحضيض الأوهد من الأخلاق.

وإن اليهود الذين كانوا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يعلنون أنه سيكون نبي، وأنهم يتوقعون أن لَا يكون منهم كما ذكر من قبل؛ ولذلك قال الله تعالى: (وَكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) السين والتاء للطلب أي يطلبون الفتح، والفتح هو النصر كما في قوله تعالى: (فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ من عِندِهِ ... )، وأطلق الفتح على النصر العادل، لأن النصر يفتح الطريق أمام الحق، وقد بشر الله تعالى بالنصر في قوله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٢) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (٣).

كان اليهود إذا كانوا في حرب مع المشركين ممن يجاورونهم في المدينة يطلبون النصر بالنبي الذي حان حينه وحل، أوانه ويحسبون أنه سينصرهم على المشركين؛ لأنه سيجيء بمحو عبادة الأوثان وتحطيمها.

روى محمد بن إسحاق بسنده عن قتادة الأنصاري عن أشياخ منهم: قال: فينا والله وفيهم، (يعني في الأنصار واليهود الذين كانوا جيرانهم) نزلت هذه الآية: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ منْ عِندِ اللَّهِ مُصَدّقٌ لمَا مَعَهُمْ وَكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) كنا قد علوناهم قهرا دهرا في الجاهلية، ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب، وهم يقولون: إن نبيا سيبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله، وكان من قريش آمنا به واتبعناه وكفروا به.

ولم يكن ذلك الاستفتاح بين اليهود من بني النضير وجيرانهم في المدينة، بل كان بين اليهود، وغيرهم في داخل الجزيرة، يروى ابن عباس رضي الله عنهما أنه كانت يهود خيبر تقاتل غطفان، فلما التقوا هُزِمَتْ يهود خيبر فدعت بهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>