للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَ تُقَاتِهِ).

صدر الكلام سبحانه بهذا الموصول الذي كانت الصلة فيه الإيمان، للإشارة إلى أن المطلوب من مقتضيات الإيمان ومن نتائجه، وهو غاية الغايات فيه، والثمرة الدانية له. وقوله تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) معناه: اتقوا الله تعالى " واجب تقواه " أي اتقوا الله تعالى بالقدر الذي يجب أن يتقى به، وهو الحق الثابت المستقر الذي ينبغي أن يستمر ولا ينقطع، و " تُقَاة " مصدر على وزن فعلة كتؤدة، والواو قلبت تاء على ما هو الأصل في كلمة تقوى لأنها من الوقاية؛ وكلمة " حَقَّ " منصوبة على أنها مفعول مطلق مضاف إلى المصدر المشتق منه الفعل، ومثل هذا قولنا ولكلام الله المثل الأعلى: أكرم فلانا حَقَّ الإكرام، أو أدب ولدك حق التأديب، وإضافة تقاة إلى الله تعالى في قوله تعالى: (حَقَّ تُقَاتِهِ) تفيد علو الواجب المطلوب له سبحانه وتعالى من التقوى، فالمطلوب هو التقوى الواجبة التي تليق بذي الجلال والإكرام الواحد القهار، والمالك لكل شيء، القاهر فوق عباده، الغالب على كلِ أمر، ويقول الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ): (حقَّ تُقَاتِهِ) واجب تقواه وما يحق منها، وهو القيام بالمواجب، واجتناب المحارم، ونحوه (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. . .)، يريد بالغوا في تقوى الله حتى لَا تتركوا من المستطاع منها شيئا.

وهذا معنى مستقيم، وتخريج قويم، ويكون المعنى في الآيتين متلاقيا؛ إذ يكون معنى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) اتقوه بأقصى الاستطاعة في التقوى، فبذل المستطاع منه هو عين التقوى، وهو أقصى غاياتها.

وقد زعم بعض المفسرين أن الصحابة عندما نزل قوله تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) شكوا إلى رسول الله مشقة ذلك عليهم، فنزل قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>