للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) السؤال عن الخمر والميسر هو بلا شك عن الحل والتحريم لَا عن الحقيقة والذات، فإنهم يعرفونهما بلا شك، وكان الأغنياء وذوو المقدرة فيهم منغمسين فيهما، ولذلك كان الجواب مشيرا إلى عدم رضا الشارع عنهما أو مشيرا إلى تحريمهما، لأن ما غلبت مضرته على منفعته - كما هو حكم الإسلام - يكون حراما، ولا يكون حلالا، وقد صرح سبحانه وتعالى بذلك، فكان يحق على المؤمن النقي النفس، الذي خلص من أدران الهوى أن يكتفي بذلك ويجتنبهما، وكذلك فعل خواص المؤمنين، والعلية من أصحاب الرسول الأمين كأبي بكر وعمر وغيرهما من السابقين المقربين. ولقد كان عمر رضي الله عنه يحس بأن شرب الخمر لَا يسوغ في الإسلام، ولذا كان يدعو الله قائلا: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، خصوصا بعد أن نزلت الآيات التي تشير إلى التحريم، ولا تصرح به.

ولماذا كان السؤال عن الخمر والميسر، وممن كان السؤال؟ إن السؤال بلا ريب من المؤمنين، ولم يكن من غيرهم، لأنهم رأوا الخمر تذهب الرشد، وتضعف العقل، وتجعل المرء يقع فيما لَا يحسن، حتى أنه ليروى أن حمزة بن عبد المطلب شرب الخمر، فعقر ناقة لعلي بن أبي طالب قد أعدها ليحتطب عليها، ويجمع بذلك مهر فاطمة الزهراء، فشكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه، ولما خاطبه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان سكران، فقال للرسول الكريم: ما أنتم إلا عبيد أبي (١)! فما كان المؤمنون الأولون وقد أرهف الإيمان قلوبهم وزكت أرواحهم، وطهرت نفوسهم ليرضوا عن الخمر، وإن لم يصرح القرآن بالتحريم، ولذلك كثر سؤالهم عنها، ليكون القطع في أمرها.


(١) متفق عليه؛ رواه بنحو من ذلك البخاري: كتاب المساقاة - بيع الحطب والكلأ (٢٢٠٢)، ومسلم: الأشربة - تحريم الخمر (٣٦٦٠) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>