للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ).

نهى الله تعالى عن سب الأوثان والأصنام، وكل ما كانوا يعبدون من دون الله تعالى، حتى لَا يسبوا الله تعالى عدوانا وظلما واعتداء على الحق بجهل وبغير علم وإدراك سليم؛ إذ سووا بين الله تعالى وآلهتهم، فالفاء فاء السببية أي بسبب سب المؤمنين الحق لأصنامهم، يسبون الله تعالى ظلما وجهلا بغير الحق، وعبر عن أصنامهم بالموصول الذي يكون للعاقلين بقوله: (الَّذِين يَدْعُونَ) جريا على زعمهم من أن لهم فكرا وعقلا وإن كانوا لَا يعقلون.

وهنا نسأل عن معنى السب أهو الشتم أم مجرد ذكرهم بأنهم لَا يضرون ولا ينفعون، وأنها أحجار لَا تضر ولا تنفع، لَا يمكن أن تكون من السب أن يقال إنهم لَا يضرون ولا ينفعون، فقد ذكر في القرآن كثيرا أنهم لَا يضرون ولا ينفعون، فقد قال تعالى: (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا)، وحكى الله تعالى عن خليله إبراهيم أنه قال لأبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُيْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا). والقرآن الكريم المنزل من رب العالمين لَا يكون فيه سب ولا شتم، وإنما يكون فيه ذكر الحقائق الثابتة التي لا مجال للريب فيها.

وعلى ذلك لَا يمكن أن يكون وصف الأوثان بأنها لَا تضر ولا تنفع سبا؛ لكنه لكي يمنع العرب من عبادتها، لَا بد من وصفها بحقيقتها ومآلها، ولقد قال تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ).

إنما السب هو شتم الأوثان مثل: (لعنها الله)، و " قبِّحت آلهتكم " من غير ذكر أوصافها.

ولكن قد يقال: إن المشركين عدوا ذلك سبا، فقد قالوا أو قال وفدهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب، لقد سفه أحلامنا، وسب آلهتنا، ونقول: إننا نفسر كلام الله تعالى، وما علينا أن نفسر كلامهم، فليسموا ذكر الحقيقة سبا كما يشاءون، ولكن السب ليس كما يقولون.

<<  <  ج: ص:  >  >>