يذكر اللَّه تعالى أحوال الذين يفترون على اللَّه الكذب، وقد ذكرنا كيف كانوا يفترون، وهذه الحال التي ذكرت هي الصد عن سبيل اللَّه تعالى بإيذاء المؤمنين وفتنهم ليقولوا كلمة الكفر وهم لها كارهون، وقد بالغوا في إعناتهم حتى مات منهم من مات تحت حر العذاب الذي ابتدعوا فيه طرائق تتنافى مع كل إنسانية بل ووحشية، حيث كانوا يحمون الحديد ويصبونه محميا في فرج المسلمة حتى لقد اضطر بعض المسلمين أن ينطق كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وكان من صدهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما كان يذهب داعيا في الحج القبائل كان يذهب منهم من ينفرهم من الإسلام كأبي لهب، وأن الأوس والخزرج عندما استجابوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يلتقون به على استخفاء منهم وفي سر لَا إعلان فيه، وهم يتبعونهم كلما علموا باجتماعهم به، ولذا قال تعالى في وصف هذه الحال:(الَّذِينَ يَصُدُّون عَن سَبيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) وسبيل اللَّه هي سبيل الحق والإسلام كما قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صَرِاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ. . .).
(يبْغُونَهَا عِوَجًا) أي يريدونها ملحفين في ذلك أن تكون معوجة بأن يلين معهم في عبادة الأوثان وتحريم ما أحل اللَّه ويرضى بما يرضون، أو يريدون ويبغون أن يكون أتباعه معوجين منحرفين عن الحق وأن يرتدوا عن دينهم الذي ارتضوا، وقد أشار سبحانه إلى السبب الذي جعلهم يوغلون في الكفر ذلك الإيغال ويمعنون فيه هذا الإمعان، فقال تعالى في حالهم التي أضلتهم:(وَهُم بِالآخِرَة هُمْ كَافِرُونَ).