للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْألُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسؤْكُمْ) كان المسلمون الأولون كثيري السؤال للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن أحكام، يسألونه عن أمور يشددون بها على أنفسهم، ويسألونه عن أمور تتجافى عن مبادئ الإسلام، ولكن لم يئن وقت تحريمها - لأن الإسلام شريعة عامة خالدة، وقد ابتدأ مخاطبا العرب بهذه الأحكام، ومنها من لم يكن عندهم أنس بتحريمها فاحتاجوا إلى التدرج، حتى يشربوا روح الإسلام، فينزل عليهم التحريم، وقد استأنست قلوبهم ببعض معالي الإسلام، ولقد كان منهم مخلصون يطلبون الحق في الأمور، ولا يلتفتون إلى مبادئ التدرج في الشرع، ومنهم غير مخلصين يريدون الإعنات، ومنهم بين أولئك وهؤلاء من يظهرون بألسنتهم التفقه والذين طلبوا التشديد. وقد سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - ليطلب الناس ما يتيسر لهم، وما يمكن أن يكون أقواهم قادرا على أشده، ويروى أنه عندما فرض الحج في القرآن الكريم إذ قال تعالى: (. . . وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. . .). وقال عليه الصلاة والسلام: " إن الله كتب الحج فحجوا " فسأله عندئذ أعرابي قائلا " أكل عام يا رسول الله " فقال عليه السلام: " ويحك، ماذا يؤمنك أن أقول نعم، ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم، ألا إنما أهلك الذين من قبلكم أثمة الحرج، والله لو أنِّي أحللت لكم جميع ما في الأرض، وحرمت عليكم منها موضع خف لوقعتم " (١).

كانت هذه الأسئلة تقع من المسلمين الأولين، والذي نراه خاصا بالآية التي نتكلم في معناها الأسمى ما كان يجري على الألسنة من أسئلة خاصة بأمر الشرع الذي لم ينزل فيه إباحة ولا تحريم كالخمر التي حرمت تحريما قاطعا بعد أن أشرب المؤمنون حب الإسلام، ونبذوا عادات الجاهلية التي لَا تتفق مع مبادئه، ونحسب أن هذه هي موضوع الآية الكريمة.


(١) مسند الشاميين (٩٦٥) ج ٢، ص ٨١ عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. ورواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن جيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>