للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (٨٣)

هم يعرفون اللَّه ومع ذلك يشركون، ويعرفون أنه الضار النافع، وإذا مسَّ الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما وإذا كانوا في شدة لَا يجأرون إلا إليه، ويعرفون هذه النعم واحدة واحدة ثم ينكرونها فما هي هذه المعرفة؛ إن للمعرفة مراتب ثلاث، تبتدئ بتصور الأمور والوقائع، ومنها النعيم فيتصور أن اللَّه رازقه وخالقه، فإذا تجاوز هذه المرتبة، انتقل من التصور إلى الاعتقاد بالصحة، فإذا اجتاز هذه المرحلة انتقل إلى المرحلة العليا وهي الإيمان، والإيمان مراتب، مرتبة التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، ثم مرتبة الإذعان، والخضوع لما اعتقد ثم ينتقل إلى أعلى المراتب، وهي مرتبة العمل.

وهذه هي المعرفة الكاملة، ولقد قرر سقراط في الأخلاق أن المعرفة هي مقياس الفضيلة والرذيلة وهي المعرفة في أعلى درجاتها التي يصحبها عمل، وكمال الإيمان تصديق وإذعان وعمل عند العلماء المدركين.

وقوله تعالى: (يَعْرِفونَ نِعْمَتَ اللَّهِ) يبدو أنها مرتبة المعرفة الأولى، التصوير، ثم التصديق من غير إيمان وإذعان؛ ولذا ينكرونها، أي أنهم لَا يذعنون للاعتقاد بها، وتبدو في أعمالهم، و (ثُمَّ) في قوله تعالى: (ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا) لبعد ما بين مرتبة المعرفة والإنكار العملي، ولقد قرر سبحانه أن أكثر الكافرين هم من هذا الصنف الذي ينكر بعمله ما عرفه بتصوره وصدقه بواقعه؛ ولذا قال: (وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>