للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢)

الأنكاث: جمع نكث كنقض الفَتْل هو الشعر الذي كان مفتولا ثم نقض، وصار أجزاء متفرقة بعد الفتل وشد الفتل، والمعنى أن العهد قوة، وقد شبه القرآن الكريم الذي ينقض عهده بالمرأة التي تفتل غزلها فتلا شديدا، ثم بعد فتله تنقضه أجزاء وصوفا متناثرا، وهو مثل يضرب لكل من يعمل عملا يكون له ثمرة طيبة ثم ينقض ما تم من جهة ويبطل عمله، فتفقد ثمرة العمل الذي عمله بحقها وجهها، وقوله تعالى: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكمْ)، أي بهذا الحمل وإبرام العقد وتوثيقه بالأيمان تتخذون الأيمان والحلف باللَّه (دَخَلًا)، أي غشا وخديعة وتضليلا بينكم.

وقوله تعالى: (أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةِ)، (أَرْبَى) أي تكون أكثر عددا، وأوسع أرضا، وأكثر مالا، وأقول قوة فكلمةَ (أَرْبَى) تشمل كل هذا.

والأمة التي هي أربى هي الناقضة للعهد بعد الأيمان الموثقة، أو هي المنقوض للعهد بالنسبة لها، وعلى المعنى الأول أن النقض للعهد أو الرغبة فيه سببها إرادة أن تكون أمة هي أربى من أمة، فتنقض العهد ليتسع حيزها، وليكثر عدد من هم في ولايتها، فمعنى الآية على هذا التخريج لَا تكونوا كالتي نقضت غزلها رغبة في أن تكون أمة هي أربى من أمة، أو إرادة ذلك أي لتكون أربى عددا أو أكثر ولدا وأوسع أرضا، أو أقوى عدة من أمة.

وإذا كان المنقوض عهدها هي الأربى، فمؤدى ذلك أن يكونوا قد عقدوا معها لقوتها، وأنها أربى ويكون قد عقد دخلا وغشا لينقض في أول فرصة.

وإني أميل إلى التخريج الأول لأنه أوضح بيانا، وأظهر برهانا، ومؤدى القول أنه لَا يصح نقض العهد لإرادة الاستعلاء، كما كان يفعل المشركون، وكما

<<  <  ج: ص:  >  >>