ابتدأ الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة ببيان الروابط التي توثق العلاقات الفاضلة في المدينة الإسلامية، التي هي المقصد الأول من هذا الشرع الحكيم، فقد تضافرت الأخبار والآثار، وجاءت آيات الله البينات المثبتة أن شرع الله سبحانه وتعالى لخير الناس في الحال والمآل، وإقامة مدينة فاضلة في الدنيا، يكون الثواب لمن شاد بنيانها، في الآخرة، وكل عبادات هذا الدين تتجه نحو هذه الغاية، وتستهدف هذا الهدف؛ ولقد قال سبحانه في وصف شرعه وكتابه:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨).
وقد ذكر سبحانه وتعالى في الآيتين السابقتين بعض الأمور التي تحل عُرى الجماعة، وتوقع بينهم العداوة والبغضاء، وعلاج هذه الأمور، والطب لها بدواء ناجع يشفي من سقامها، فذكر ما فى الخمر والميسر من مآثم، واكتفى في هذا الموضع بذلك بيانا للعاقل الرشيد، وأشار إلى التنابذ والتدابر إن ضن الغني بالعطاء، وفقد الفقير الرجاء، فأوجب الإنفاق، وأشار إلى المعاول التي تهدم الجماعة الإسلامية، وتقوض أمنها، وتكثر شذابها، وأولئك هم الضعفاء واليتامى ومن لَا مأوى لهم، فإن لم يصلحوا وعودهم أخضر، كان منهم الشطار واللصوص والهادمون الذين يأتون بنيان الجماعة من قواعده.