للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعد أن أشار إلى الأذى والوقاية منه، والداء ودفعه، أخذ يبين أسس البناء الاجتماعي الفاضل، وابتدأ من هذه الأسس بالقاعدة التي يشاد عليها البناء، والوحدة التي يتكون منها البنيان، والتي إذا قويت فيها الروابط قوي، وشد بعضه بعضا، وتلك القاعدة هي: الأسرة، فهي وحدة البناء الاجتماعي، وقاعدة كل بناء فاضل، وفيها تتربى كل المنازع الاجتماعية الفاضلة.

ولقد ابتدأ من أحكام الأسرة ونظمها الإسلامية الفاضلة بالانتقاء في ركنيها، وهما الزوج والقرينة؛ فإنه إن كان الاختيار فيهما حسنا كانت العلاقة موثقة بروابط المودة والرحمة والإخلاص، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً. . .).

ولقد ابتدأ ببيان أساس الاختيار وهو التدين، فقال تعالت كلماته:

(وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) عندما ابتدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوته، وانبعث في مكة نور هدايته، كان أكثر المؤمنين، من الضعفاء غير ذوي الجاه والنسب والحسب، والأقلون كانوا كذلك، وكل المعاندين أو جلهم من أوسط قريش نسبا، وقالوِا للنبي - صلى الله عليه وسلم - مثل مقالة الكفار الذين سبقوهم لأنبيائهم: (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِين هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ. . .). ولما قويت شوكة الإسلام، كثر دخول ذوي الأنساب فيه شيئا فشيئا، وإن كانوا مع ذلك قلة من قريش، وكان أولئك بمقتضى نسبهم الرفيع يرون في بني أعمامهم من قريش الكفاءة النسبية في الزواج، وربما كان فيهم بعض الميل لمصاهرتهم، بل كان من بعضهم فعلا من أبدى رغبة في المصاهرة، فجاء النهي القرآني عن نكاح المشركات، حتى يؤمن.

والنكاح في أصل معناه اللغوي: الضم، وتداخل أجزاء الشيء بعضها في بعض، ثم أطلق على العقد الذي يحل علاقة الرجل بالمرأة، وعلى العلاقة التي تكون بينهما بما يتقاضاه الطبع (١)، وإطلاقه بمعنى العقد إطلاق معروف قبل


(١) قال الشيخ رحمه الله: يختلف فقهاء الحنفية وفقهاء الشافعية في قضية الحقيقة والمجاز في كلمة النكاح؛ فيقول الحنفية: هو مجاز في العقد حقيقة في الوطء، ويقول الشافعية: هو مجاز في الوطء حقيقة في =

<<  <  ج: ص:  >  >>