للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ... (١٤٨)

* * *

الفاء هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي أنهم بسبب ذلك الصبر والاطمئنان نالوا جزاء الدنيا وثوابها بالنصر والغنيمة وجعل كلمة الله تعالى هي العليا، ومكن لهم في الأرض، وبسبب هذا أيضا نالوا حسن ثواب الآخرة، أي نالوا النعيم المقيم، وجنات عدن، وما فيها مما لَا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ونالوا ما هو أعلى من ذلك وهو رضا الله تعالى ثم محبته، وهي أعلى الدرجات، ووصف ثواب الآخرة بالحسن؛ لأنه الثواب الذي لَا يعكره معكر، ولا تكليف فيه، ولا مشقة تحتمل في سبيله، فهو حَسَن بإطلاق، وأما ثواب الدنيا فحسنه إضافي إذ فيه تكليفات ومشقات، إذ الدنيا قد اختلط حلوها بمرها، وسراؤها بضرائها، وشقاؤها براحتها، ولذلك كان ثوابها غير حسن إلا حسنا إضافيا نسبيا، أما ثواب الآخرة فحسن باستمرار وإطلاق (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

ذيَّل الله سبحانه وتعالى الآية التي تتعلق بالجزاء باعظم جزاء وهو محبته الكريمة، وأشار إلى أن هؤلاء الربانيين قد استحقوه بسبب إحسانهم وإتقانهم لما عملوا وما جاهدوا فيه، وصبرهم في الشدائد والمكاره، وتلقيهم للأحداث بجنان ثابت وقلب رابط.

وإننا نجد أن الله تعالى وصف المؤمنين بثلاث صفات، وكل واحدة منها قد استحقت جزاء، فالوصف الأول أنهم شاكرون، فقال: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)؛ لأن الشكر أول أبواب الطاعة، والرغبة في الفداء؛ إذ هو الإحساس بحق المنعم فيما أنعم به.

والوصف الثاني هو الصبر؛ لأن الإيمان الذي هو أول ثمرات الشكر يقتضي ضبط النفس عن أهوائها ومنع الاضطراب في (الصدمات) والرضا بكل شديدة من

<<  <  ج: ص:  >  >>