للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... (٩٤)

* * *

فرادى جمع فريد كأسارى جمع أسير، أي جئتم منفردين عن النصراء الذين كنتم تعتزون بهم، فما لكم من نصراء، وذهب عنكم افتراؤكم وما كنتم تقولون نحن أعز نفرا، وذهبت عنكم أموالكم التي كانت تعزكم، وتدفعكم إلى الاستكبار والتطاول بها، وتقولون معتزين نحن أكثر مالا، ذهب عنكم كل هذا وجئتم إلى الله بأنفسكم منفردين، وقد روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في موعظة له: " أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غُرْلا " (١) (أي غير مختونين). قال تعالى: (. . . كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْق نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كنَّا فَاعِلِينَ).

وإنكم تكونون في هذه الحال، كالحال التي بدأ خلقكم بها ولذا قال تعالت كلماته: (كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَولَ مَرَّة) أي تعودون ضعفاء كما خلقكم من ضعف أول أمركم؛ إذ خلقكم ضعفاء لَا تقدرون على شيء ولا تملكون شيئا، وفي النص إشارة إلى حجة البعث على الذين ينكرونه، ويستغربونه، إذ مؤداها أنه خلقكم ابتداء بقدرته، ويعيدكم بقدرته، ومن كان قادرا على الإنشاء، هو على الإعادة أقدر، وهو العزيز الحكيم.

وإن كل ما كانوا يملكونه من مال ونسب، وعبيد، وصولة، وسلطان يكون وراء ظهورهم وقال تعالى في ذلك: (وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) خولناكم أي مكناكم من أموال وأنعام، وسلطان، وراء ظهوركم، أي جئتم إلينا، وقد خلفتموه وراء ظهوركم فلا يمكن حينئذ أن تعتزوا بشيء منه، وقوله تعالى: (وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) تشبيه لحالهم في أنهم لَا يأخذون شيئا معهم كمن ترك ما يملك وراء ظهره، وذهب تاركا له، أو من ولَّى الأدبار من اللقاء فقد كانوا يغترون


(١) جزء من حديث متفق عليه، رواه بهذا اللفظ مسلم: الجنة ونعيمها وأهلها - فناء الدنيا وبيان الحشر (٢٨٦٠)، والبخاري بنحوه: أحاديث الأنبياء - (٣٣٤٩٠) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>