للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأموالهم، وأصبح لَا يعرف ماله، فضلا عن أن يغتر به كما كان في الدنيا، ولم يعد المال إلا لحفظ الحياة بالقوت والكساء والصدقة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم أنه قال: " يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فهو ذاهب، وتاركه للناس " (١)، تذهب عنهم كل قواتهم الذاتية التي غرتهم واستكبروا بها عن آيات الله تعالى، وغرتهم في الحياة الدنيا، فاغتروا بها، وغرهم بالله الغرور.

ولقد ذكر سبحانه بعد ذلك حالهم مع ما كانوا يعبدون من دون الله تعالى بغير الحق، فقال تعالى:

(وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ).

أي أنهم في اليوم الآخر حيث الحساب، ثم العقاب لَا يرى معهم شفعاؤهم، أي الأصنام التي زعموها، تقربهم إلى الله زلفى إذ كانوا يقولون (. . . مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ... )، أي ليكونوا شفعاء لنا يقربوننا إلى الله تعالى، ولقد قال تعالى: (وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ)، ولم يقل تركتموهم وراءكم ظهريا؛ لأن المال والأنصار والعصبيات كان لها وجود، أما هذه الأحجار فلا وجود لها، وليس لها لسان تنطق، فقال سبحانه وما نرى هؤلاء الشفعاء؛ لأنهم لم يكن لهم وجود في الدنيا إلا بزعمهم، فهم موجودون في أوهامهم، ولا وجود لهم في ذاتهم إلا أنهم حجارة، ولقد قال تعالى في أوصاف هؤلاء الشفعاء في زعمهم: (الَّذِينَ زَعَمْتمْ أَنَّهُمْ فِيكمْ شرَكَاء) " الذين " وصف للشفعاء وهم حجارة، وكان الموصول بعبارة " الذين " التي تكون للعقلاء إجراء على لفظ الشفعاء لَا على حقيقتهم، والزعم هو الاعتقاد الباطل الذي ليس له أساس من العقل أو النقل، والزعم هو أنهم شركاء الله تعالى فيكم بالنسبة للنفع والضرر، والجزاء عقابا أو ثوابا، وقدم قوله تعالى: (فِيكُمْ) إشارة إلى أن الزعم


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>