للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) هذه الآية الكريمة استئناف مترتب فيه الأمر الملزم بالقتال على القصة المشار إليها آنفًا، فإنه إذا كان الخروج من الديار حذر الموت يؤدي لَا محالة إلى الموت، فإنه من الواجب القتال في سبيل الله تعالى ورد الاعتداء، وإذا كان الموت في القتال محتملا أو راجحًا، فالموت في الفرار والخروج من الديار حذر الموت مؤكد لَا محالة، ولو خير العاقل بين موت احتمالي وفيه الفخار، وموت مؤكد وفيه العار، لاختار بلا ريب القتال.

وإن القتال في سبيل الله هو الحياة الكاملة؛ فإن قتل في ذلك فقد رزق الشهادة، وهي رزق يتنافس فيه المؤمنون، ويطلبه المتقون، وسبيل الله هي سبيل الحق، فبهل قتال لأجل الدين والدفاع عنه فهو قتال في سبيل الله، وكل قتال في سبيل الجماعة هو قتال في سبيل الله ما دام القتال عادلا، وقتال المرء دون عرضه هو قتال في سبيل الله، وقتاله دون ماله هو في سبيل الله سبحانه (١)، فكل قتال لدفع الظلم وإعلاء منار الحق هو من القتال في سبيل الله سبحانه، ولقد قال الإمام مالك رضي الله عنه: (سبل الله كثيرة) وكل طريق للوصول إلى الحق أو حمايته أو الدفاع عنه هي من سبل الله سبحانه وتعالى.

والخطاب في الآية الكريمة: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) للمسلمين أجمعين في كل الأجيال وفي كل العصور، ولم يقل في هذه الآية كما قال في غيرها: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا. . .)، مع أن أصل القتال في الإسلام لدفع الاعتداء فقط، لم يقل سبحانه وتعالى ذلك إلا للأشارة إلى أمرين:


(١) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» قال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. لأسنن الترمذي: كتاب الديات - من قتل دون ماله فهو شهيد (١٣٤١)].

<<  <  ج: ص:  >  >>