للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولهما: وجوب الاستعداد الدائم للقتال فإن حب الغلب في فطرة الإنسان، وتوقع الاعتداء مع ذلك أمر لابد منه كما قال تعالى: (وَأَعدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة ومِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكمْ. . .)، ولا شيء يمنع الاعتداء أكثر من الاستعداد لدفع الاعتداء، فلو كان للحَمَل نابٌ ما عَدَت عليه الذئاب؛ ولو كان للظبي ظفر وناب ما افترسته أوابد الوحوش.

ثانيهما: القتال في سبيل نصرة الحق ودفع الظلم ومعاونة المظلومين ضد الظالمين؛ وذلك حق على كل مسلم وإن لم يكن الاعتداء واقعًا عليه؛ فالقتال لدفع الظلم وإقامة الحق قتالا عادلا وهو قتال في سبيل الله سبحانه، ولو لم يقع الاعتداء على شخص القاتل؛ لأن ذلك من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كنتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. . .).

ولقد بارك النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف الفضول، وقد كان عهدًا بين المتحالفين أن ينصروا المظلوم على الظالم (١).

ولقد عطف الله سبحانه وتعالى على الأمر بالقتال قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فهو أمر منه سبحانه بأن يتذكروا دائمًا أن الله سبحانه وتعالى سميع لكل أقوالهم التي ينطقون بها سواء أكانت تلك الأقوال تدل على رغبة في الجهاد وطلب للاستشهاد، أم كانت هذه الأقوال مخذلة معوقة للمجاهدين الأبرار من مثل قول: (لَوْ كانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتلْنَا مَا هُنَا. . .)، ومثل قول:

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ. . .)، وإنه سيجازي كل واحد بقوله، إن خيرًا فخير، وإن شرا فشر.

وكما أمرنا أن نتذكر دائما أنه سميع لنشعر برقابته على أقوالنا، أمرنا بأن نتذكر بأنه عليم بخواطرنا وبالدوافع التي تدفعنا إلى القتال، فهو يعلم الوساوس التي تلقى في النفس ضعفًا يظهر على الشفاه، وتعلنه الأفعال، ويعلم البواعث التي تدفع إلى القتال أهي فخار ورغبة في دنيا يصيبها، أم لتكون كلمة الله هي العليا،


(١) راجع في ذلك: فتح الباري (١٢٣٠) - لَا حِلف في الاسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>