للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد كان الجزاء على العمل الصالح، على المشقات التي تحملوها، والجهود التي بذلوها من ظمأ قطَّع رقابهم وأمعاءهم، ومن جوع حرموا فيه من الزاد، ووطء أرض العدو وما فيه من إذلال كما قال علي: ما وطئت أرض قوم إلا ذلوا، ومن نيل نالوه منهم، أما في هذه الآية فالجزاء على النفقة: صغيرة كانت ولو بسوط أو علاقته، أو كبيرة كتجهيز عثمان جيش العسرة رضي الله عنه، وإن السير في الفيافي والقفار، ولو لم ينالوا ويطئوا أرض العدو هو ذاته له أجر وجزاء. قوله تعالى: (وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا)، الوادي: المنفرج بين الجبلين، ويراد به هنا الأرض، لأن قطع الوادي لَا يكون إلا بقطع الجبلين اللذين تعرج بينهما، وقد قال الزمخشري: واديا أي أرضا في ذهابهم ومجيئهم، والوادي كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل، وهو في الأصل فاعل من ودى إذا سالَ، ومنه الودي، وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض يقولون لَا تصل في وادي غيرك.

لا ينفقون ولا يقطعون أرضا إلا كتب لهم بذلك عمل صالح يستحقون عليه جزاء ما عملوا، ولذا قال تعالى: (أَحْسَنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ) أي كتب لهم ذلك ليعطيهم سبحانه وتعالى جزاء (أَحْسَنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ)، وعبر عن الجزاء بالعمل ذاقه وقال: (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ) لبيان المساواة التامة بين أحسن العمل والجزاء، وللإشارة إلى أن الجزاء ذاته مشتق من العمل فهو ثمرته، ولله تعالى الفضل والمنة.

وقبل أن نترك الكلام في معاني هاتين الآيتين اللتين فيهما تحريض على الجهاد ننبه إلى أمرين:

أولهما - أن قوله تعالى (وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نيْلًا) أن النيل في أصل معناه بمعنى الأذى الذي ينزل بالعدو، ويقال نال منه بمعنى: نكبه بما يسوء ويلحق به ضررًا. .

<<  <  ج: ص:  >  >>