للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ) الجناح هنا الإثم؛ وأصله من جنحِ إذا مال؛ يقال جنحت السفينة إذا مالت؛ وقال تعالى: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ. . .). ولما كان الإثم ميلا متطرفا نحو الباطل صارت كلمة الجناح تطلق على الإثم لما فيه من معنى الانحراف المائل عن الحق، والابتغاء: الطلب الشديد. والفضل أصل معناه الزيادة وهي تكون في الخير وفى الشر، ولكن يعبر عن الزيادة القبيحة بأنها فضول، وعن الزيادة في الخير بأنها فضل؛ فزيادة العالم على الجاهل فضل، وزيادة المصلح على المفسد فضل، وزيادة الأعمال والمقاصد الخيرة على غيرها فضيلة.

وتطلق كلمة فضل ويراد بها المال الحلال من التجارة التي لوحظت فيها الفضيلة، ولقد جاء ذلك في القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠)، وقد تطابقت كلمة المفسرين على أن الفضل في هذه الآية الكريمة هو المال الحلال المكتسب من التجارة أو غيرها؛ لأنه جاء في السنة النبوية التصريح بذلك؛ فقد كان الناس يتأثمون من الاتجار في عشر ذي الحجة الأولى (١)؛ لأنهم يحسبون أن تلك الأيام تكون للعبادة خالصة لَا يخالطها أي أمر من أمور الدنيا؛ وكانوا يسمون من يتجر في هذه الأيام الداج لَا الحاج؛ لأنهم أعوان الحجيج في غايتهم الروحية، فنزل قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن


(١) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو المَجَازِ، أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ، فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ " قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ.
[صحيح البخاري: كتاب البيوع (١٩٠٩)،، وَقِرَاءَة اِبْن عَبَّاس " فِى مَوَاسم الْحَجِّ " مَعْدُودَة مِنْ الشاذِّ الَّذِى صَح إِسْنَادُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ وَلَيْس بِقُرآنٍ. قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>