للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَّبِّكُمْ)، ولقد روى أن رجلا سأل ابن عمر فقال: إنا قوم نكري، أي نستأجر، فهل لنا من حج؛ فقال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يدر ما يقول حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكمْ) (١).

والمعنى على هذا: ليس عليكم إثم أن تبتغوا رزقا حلالا في أيام الحج، على أن تكونوا في طلبكم وأخذكم بالأسباب معتمدين على الله الخالق المنعم الذي رباكم، وأنشأكم ونماكم؛ فإضافة الرزق إلى الله ليس معناه أن نطلبه بالدعاء والتفويض، بل معناه أن نأخذ في الأسباب ونسعى، ثم نفوض أمور المقادير إلى مدبر الكون العليم الخبير.

وإباحة طلب المال في الحج لايقتصر على الاتجار الآحادي، أو طلب المال من الآحاد فقط، بل يشمل العمل على التبادل الجماعي، ونمو الاقتصاد بين الأقاليم الإسلامية؛ فأهل الخبرة بشئون المال من الحجاج يتصل بعضهم ببعض من الأقاليم المختلفة، ويعرف أهل كل إقليم ما عند الآخرين من فاضل الرزق الذي تخرجه أرض الله، وما ينقصهم من أسباب الحياة، ويتبادلون الفائض، ويسدون النقص وهو ما يسمى في لغة العصر الحاضر التبادل التجاري؛ فيعم الخير، ولا يكون إقليم من الأقاليم الإسلامية في نقص من الموارد، وآخر في الكثير منها.

وهذه تكون إحدى منافع الحج المادية التي اشتمل عليها قوله تعالى: (لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهمْ. . .).

ولقد قال بعض العلماء: إن الاتجار وطلب المال هو من قبيل الرخصة؛ لأن الله لم يطلبه بل نفَى الإثم، فقد قال: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جنَاح) ونفي الإثم يشير إلى أنه


(١) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أِنَّا نُكْرِي، فَهَلْ لَنَا مِنْ حَجٍّ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَتَأْتُونَ الْمُعَرَّفَ، وَتَرْمُونَ الْجِمَارَ، وَتَحْلِقُونَ رُءُوسَكُمْ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي، فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَنْتُمْ حُجَّاجٌ " ". أخرجه بهذا الَلفظ أَحمد: مسند المكثرين (٦١٤١)، وبنحوه أبو داود: المناسك - الكرى (١٤٧٣)].

<<  <  ج: ص:  >  >>