للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عفو، لَا مباح، أي أن الأولى تركه، ونحن انخالف أصحاب هذا الرأي لأن الرخصة تقتضي أن تكون هناك عزيمة مانعة من الكسب، ولم يقم دليل على منع الكسب، فيبقى على الإباحة الأصلية، وجاءت الآية الكريمة مؤكدة لهذه الإباحة بنفي الإثم، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خَطَّأ الذين يتوهمون أن الاتجار مانع من الحج؛ ولا يكون الفعل من قبيل العفو إلا إذا كان موضوعه غير مباح، ولكنه لأحوال خاصة نفَى الإثم نحو كل لهو باطل إلا لعب الرجل بقوسه. . إلخ. وطلب المال الحلال أمر مباح بإطلاق؛ ولقد قال رجل لعمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين كنتم تتجرون في الحج فقال رضي الله عنه: وهل كانت معايشهم إلا في الحج؟!

وفوق ذلك أن المعنى العام الذي يهيئ له الحج وهو التبادل التجاري بين المسلمين أجمعين، بأن يقدم كل إقليم فائض ما عنده لأهل الإقليم الذي ينقصه؛ هو أمر مطلوب يقوي الوحدة الإسلامية، وهو إحدى منافع الحج المذكورة في قوله: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهمْ. . .)، كما نوهنا؛ فما نفَى عنه الإثم هنا ذكر فائدة هناك، فكان مشروعا على سبيل الإباحة من الآحاد؛ وأحسب أنه مطلوب على سبيل الوجوب من الجماعات الإسلامية، فهو من قبيل المباح بالجزء المطلوب بالكل، أي أنه مباح للآحاد أن يتجروا في الحج، وواجب على جماعة كل إقليم وأهل الخبرة منهم أن يقيموا أسباب التبادل التجاري، فالحج فرصته المهياة لهم، ولا فرصة سواه، أو تبلغ درجته.

(فَإِذَا أَفَضتمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُروا اللَّهَ عندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) الفاء هنا لتفصيل بعض ما أجمل من قبل في قوله تعالى: (فَمَن فَرَضَ فيهِنَّ الْحَجَّ. . .) إلخ. والإفاضة السير متدافعين في جمع متزاحمينَ، وذلك تشبيه لهم بالماء إذا أفاض ودفع بعضه بعضا فانتشر وسال من حافتي الوادي أو الإناء. وعرفات هو الجبل المعروف الذي اتفق الفقهاء على أن الوقوف عنده هو ركن الحج الأكبر حتى لقد قال عليه السلام، كما ذكرنا من قبل: " الحج عرفة " وسمي اليوم التاسع يوم عرفة؛ لأنه اليوم الذي يقف فيه الحجيج في ذلك الجبل الذي شرفه الله ذلك التشريف، وقد اختلف في السبب في تسميته عرفات مع اتفاقهم على أنه اسم مرتجل لَا منقول؛ فقال بعضهم: لأن إبراهيم عليه السلام عرفه بمجرد أن وصف له.

<<  <  ج: ص:  >  >>