للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) في هذه الآية الكريمة بيان الغاية التي تغياها من يريد أن يخدع الناس، فهو يخدعهم ليمكن لأهوائه وشهواته. وإذا تمكنت الأهواء والشهوات واندفع الشخص في اجتراعها، يشتار عسلها (١) من غير دين رادع، ولا حكم زاجر - سرى الفساد في جسم الأمة كما يسرى الداء العضال في جسم المريض، وبذلك يهلك الحرث والنسل، أي يهلك الزرع والحيوان، وفيهما جماع حاجات بني الإنسان، فما من أمر يحتاج إليه الإنسان في مقومات جسمه إلا كان من الحيوان أو من النبات، وهلاكهما كناية عن الخراب العام، والضيق الشديد، والفساد المستحكم، وضياع المصالح.

والحرث: مصدر حرث يحرث؛ بمعنى أثار الأرض لإعدادها للزراع ثم أطلق وأريد به المحروث وهو الأرض نفسها، ثم أطلق وأريد به ثمرات الحرث وهو الزرع الذي حان حصاده، والثمر الذي آتي اكله؛ والمراد به هنا ذلك.

والنسل في أصله: مصدر نسل ينسل بمعنى خرج وسقط، ومنه قوله تعالى: (إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ) وقوله تعالى: (مِّن كلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ)

، أي يخرجون، ثم أطلق على خروج الحيوان (٢) من بطن أمه وولادته، ثم أطلق وأريد به ذات الحيوان الوليد.

وفى التعبير بهلاك الحرث والنسل بسبب استحكام الشهوات وسيطرة أهل الأهواء، إشارة كما قلنا إلى عموم الفساد في المدائن والقرى، وبين أهل الزرع وسكان البوادي، أي بيان عموم الشر للحاضرة والبادية؛ لأن هلاك النسل رمز لهلاك ما تقوم عليه البادية وما به قوام حياتها؛ إذ إن رأس مال البادية النعم من الإبل والبقر والغنم وأخواتها، وقيام الثروة في سواد الأرض الزرع وما تنتجه


(١) اشتار العسل: اجتناه من خلاياه ومواضعه. قلت: وسياق الكلام يدل على المقصود وهو ما يجده الفاجر من لذة الشهوات المحرمة، هي عنده كالعسل حلاوة لمّا مات قلبه، وفسد حسّه، حتى إذا ما جاءهم الموت حيل بينهم وبين ما يشتهون.
(٢) الحيوان: الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة [التعريفات - باب الحاء - ج ١ ص ١٣]. فيشمل الإنسان والبهائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>