للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

ابتدأ سبحانه بنفي وصف الغلول وهو الخيانة في الغنائم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لبيان أن التسوية في القسمة مطلوبة من الجميع لَا فرق في ذلك بين قائد وقائد، ولو كان أحد يسوغ له ألا يسوي في القسمة لما كان رسول رب العالمين، ولكنه أول من ينفي عنه هذا الوصف، ولأن الرماة تعجلوا خشية ألا يأخذوا، فبين الله لهم أن عدم تسويتهم في الغنيمة غلول، وما كان الغلول من شأن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولبيان أن عدم توزيع الغنيمة بالعدل خيانة، فلا يستكبر قائد عن أن يوصف بها إذا وقع منه عدم التسوية.

ومعنى قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) ما ساغ وما صح لنبي أن يخون، فالنفي هنا نفي للشأن، أي ليس من شأن النبي أن يخون، والتنكير هنا للتعميم، فليس من شأن أي نبي يتكلم عن الله تعالى أن يخون، وإذا كان التنكير للتعميم لأنه تنكير في مقام النفي، فمؤدى الكلام أن النبوة والغلول نقيضان لا يجتمعان، فما كان لأحد أن يظن أن النبي سوف لَا يقسم بالسوية، وإذا وقع ذلك الظن فهو من الظن الإثم: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. . .).

وأصل الغلول من الغلَلَ، وهو دخول الماء في وسط الشجر كما جاء في مفردات الراغب الأصفهاني، وسميت الخيانة في الغنيمة غلولا؛ لأنها تدخل المِلك من غير حله وفي خفاء، كجريان الماء بين الأشجار في خفاء، ويقال - تغلغل في الشيء دخل فيه واختفى، ويطلق الغِل بكسر الغين على الحقد لأنه يكون دفينا متغلغلا في كيان النفس الإنسانية ويفسدها.

وإن المعنى الذي يجري عليه جمهور المفسرين بأن المراد بالغلول المنفي عن الرسول وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هو الغلول المادي في شئون المادة، ولم تتعرض الآية الكريمة للغلول المعنوي وهو كتمان ما أنزل الله

<<  <  ج: ص:  >  >>