للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى وعدم بيانه؛ ولكن قال بعض العلماء: إن الغلول النفي عن الأنبياء هو كتمان ما أنزل الله تعالى وعدم بيانه؛ لأن الغلول المادي غير متصور الوقوع، ولكن السياق لَا يؤيد هذا المعنى؛ لأن السياق كله فيما قبله وما بعده يدل على أنه في الحرب وما يتعلق بها من غنائم أغرت الرماة وأخرجتهم من مَحَارسِهم (١)؛ ولما يجئ بعد ذلك من تعميم الحكم لكل من يغل غير الأنبياء من حيث إنه يأتي بما غل يوم القيامة؛ ولذلك قال تعالى: (وَمَن يَغْلُلْ يَات بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

والمعنى أن من يخون في الغنائم أو غيرها بأن يكون ذا سلطان على مال، فيخص نفسه مثه بما شاء يأتي يوم القيامة مأخوذا بإِثم ما غل يوم القيامة، صغيرا كان أو كبيرا، حقيرا كان أو خطيرا، فالمراد على هذا التفسير من قوله سبحانه: (بِمَا غَلَّ) وزره؛ وذلك كقوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨).

فما يراه الإنسان يوم القيامة هو عمله المبرور وعمله الموزور، وأما موضوع العمل فلا وجود له إذ هو يرى الوزر أو يرى البر. وظاهر كلام المفسرين أنه يرى ذات الشيء الذي غله، لظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان: " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول له: لَا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لَا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك. . " (٢) فإن ظاهر هذا الحديث أن موضوع الغلول يجيء بذاته يوم القيامة، ومثل ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغلول في جمع الصدقات، فقد روى أن رجلا اسمه ابن اللتبية جمع الصدقات، ثم قال: هذا لكم وهذا أُهْدِيَ لِي، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيبا، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " ما بال العامل نبعثه، فيجيء، فيقول هذا لكم، وهذا


(١) جمع محْرَس، اسم مكان من " حرس "، والجمع محارس، أي: أماكن الحراسة.
(٢) رواه البخاري بنحوه: الجهاد والسير - الغلول وقول الله عز وجل (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ) (٢٨٤٤).
ورواه مسلم: ك الامارة - غلظ تحريم الغلول (١٨٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>