داهية نزلت بألوهية فرعون، وتأثيره في قومه، وبطلان حجته في رد موسى أمام حشد مجتمع، من مدائن مصر كلها ليشهدوا نصرته، فشهدوا بطلان حجته، وهزيمته، فاستخدم الطغيان ليحول الأذهان، ولتكون رهبته محل حجته (آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) إذا جعلنا همزة أستفهام، في القول، وإذا لم يكن استفهام يكون ذكر الإيمان قبل الإذن منه، هو الاستنكار، كأنه ملك قلوبهم وأجسادهم وخواطرهم ونوازع نفوسهم، وهذا شأن كل جبار متحكم، كأنه ملك الأفئدة والعقول والنفوس؛ لأن الذين حوله يوعزون له بذلك، وبأن هذا حق الله فرضته الطاعة، ثم الألوهية الباطلة، وقوله تعالى - له - أي مذعنين خاضعين له.
ولم يفرض أنه الحق بموجب علمهم، وتفريقهم بين باطل السحر، ومعجزة الحق، بل فرض أنه كبيرهم الذي علمهم السحر ليموِّه على الناس، فقال إنه لكبيركم الذي علمكم السحر، فأنتم تتبعون معلمكم ولا تتبعوني.
ثم انتقل من التضليل إلى التهديد كشأن الطغاة دائما إذا ما حل بهم الدليل يسترون عجزهم بالتهديد، فيقول:(فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، واللام تفيد توكيد التهديد، وسوف - لبيان تأكيد العلم في المستقبل، وهو علم معاينة لَا علم إخبار، ولذا ذكر مما هدد به نافذا واقعا (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ) أي: يد من جانب، ورجل من جانب، (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) إن التصليب يكون مقارنا للقتل، فكأنه هددهم بأمور ثلاثة أولها