الإشارة إلى ما فعله الله سبحانه وتعالى بالمشركين من أهل مكة، إذ عجَّل لهم عذاب بتنكيل المسلمين بهم، وغيَّرهم من سطوة في أرض العرب وجاه وسلطان إلى أن يغلبوا على أمرهم، ويذلوا بعد عزة، وإلى ما فعله سبحانه بآل فرعون ومن قبلهم من قوم نوح وعاد وثمود، وآل مدين، فإن هؤلاء غيروا نفوسهم، وطمسوا فطرهم، فغير الله تعالى نعمته، فانتزع منهم ما كانوا في زرع فاكهين فيه.
والمعنى كان هذا الذي أنزله بالكافرين بآيات الله تعالى قد وضع نظما حكيمة في هذا الوجود الإنساني، (بأنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنفُسِهِمْ)، أي أن نظام اللَه تعالى في الإنسان أنه أنعم عليه نعما لها واجب وكما أنها له حق وعليها واجب، وأن الفطرة الإنسانية تدرك حق كل نعمة، وتفسد هذه الفطرة بالاتجاه إلى الشر، وذلك تغيير وطمس لنور الفطرة، والمعنى أن الله تعالى لَا يغير نعمة أنعمها على قوم، إلا إذا غيروا ما بأنفسهم، و " ما " هنا موصولة بمعنى الذي، والذي بأنفسهم هو نور الفطرة، وإخلاصها، وما أخذه الله تعالى على ظهور بني آدم ذربتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا: بلى، فهذا العهد المودع في الفطرة وهو التوحيد هو الذي يغيرونه بأنفسهم، فكفار قريش كانت لهم القوة لأنهم كانوا يدينون بديانة إبراهيم، ولكنهم غيروا ما بأنفسهم فشوهوا الفطرة، وأشركوا بالله أحجارا لَا تضر ولا تنفع، وزاد تغييرهم لما في أنفسهم بأن جاءهم رسول من ربهم يدعوهم إلى التوحيد فعاندوا، وكفروا بآيات الله تعالى، فأزالهم من سطوتهم، إلى حيث يغلبون على أمرهم.