للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ) الجار والمجرور متعلقان بالآية التي قبلها، وفيها عدة أفعال كل فعل فيها يصلح متعلقا، فيصح أن يكون متعلقا بقوله: (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ)، ويصح أن يكون متعلقا بقوله: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) ويصح أن يكون التعليق بقوله: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) فالتعليق يصح أن يكون لفعل من هذه الأفعال، فالمساجد تتعلق بالنور والهداية، وهي بيوت الله تعالى، وفيها النور، وفيها يوقد النور الإلهي، وفيها الهداية.

ونكرت البيوت، لتذهب النفس في تعرفها كل مذهب، وقد عرفها سبحانه وتعالى بوصفها الذي يجليها، ويزيل إبهامها للنكرة، وهو قوله تعالى: (أَذِنَ اللَّهُ) الإذن الإعلام، ورفعتها هي رفعة مكانتها وقدرها، فالرفعة معنوية لَا حسية، ورفعتها المعنوية، لأن فيها النور وفيها الهداية، وفيها السمو، وفيها الربانيون الذين لا يريدون إلا رضا الله تعالى، وإنه يقترن بهذه الرفعة، أو بذكر اسم الله تعالى، ولذا قال تعالى: (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)، أي تتذكر القلوب اسم الله تعالى، وتمتلئ بهيبته وجلاله، وترتفع إلى مقام التجرد الروحي لله تعالى، فليس المراد كما يظهر ذكر اسم الله بلفظ الجلالة، وترداده في حلقات ذكر، وما تلهث فيه الأنفاس وتردده من صياح، بل المراد تذكر القلب والعقل لعظمته وامتلاؤهما بجلاله، وتقشعر منه الجلود، لَا بمجرد التمايل في حلقات ربما يتوسطها الشيطان!! ويكون فيها تقديس الله تعالى، وتنزيهه وعبادته كما جاء بها القرآن والسنة، ولذا قال تعالى: (يُسَبِّحُ) فِيهَا بِالْغدُوِّ وَالآصَالِ)، أي في الصباح، وهو أول اليوم، والآصال، وهي جمع أصيل، وهو آخر اليوم، وربما يدخل فيها ما بعدها، وهو العشي، كما قال تعالى في آية أخرى (. . . بُكْرَةً وَعَشِيًّا)، والتسبيح هنا يحتمل أن يراد به التنزيه المطلق، ويكون المراد أنه في هذه البيوت التي يذكر فيها اسم الله تعالى ينزه الله تعالى ويقدسه فيها رجال. . إلى آخره، فهي بيوت الله لَا يذكر فيها غيره، ولا يقدس فيها سواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>