للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُهْدِيَ لِي، ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدي له أم لَا، لَا يأتي أحد منكم بشيء إلا جاء به يوم القيامة، إن كان بعيرا فله رغاء، أو بقرة فلها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عُفرتي إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت " (١).

والذي نراه أن هذه الأحاديث إنما هي تصوير لما يكون يوم القيامة من أن وزره يكون قائما بين يديه، وصُور ما وقع وموضوع أوزاره تكون قائمة في كتابه كانها حاضرة بأعيانها، هذا هو الذي تدل عليه الألفاظ، ولا نقول إن حضور ذات الأشياء مستحيل على الله، فإن الله على كل شيء قدير، ولكن نقول: إن ذلك هو ما يؤدي إليه الذوق البياني العربي، وإن ذلك يومئ إلى دقة الحساب، وقيام الموازين بالقسط، ثم بين سبحانه نتيجة هذا الحساب، فقال سبحانه: (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).

وبعد الحساب العسير لهؤلاء الذين يأكلون الأموال بالباطل، ويغلون في الغنائم؛ ويغلون في أموال الدولة - يوفون جزاء ما كسبوا من غير ظلم، وفي النص الكريم عدة إشارات بيانية، الأولى: التعبير بـ (ثم) وهي تفيد التراخي بين إحضار الأعمال بأوزارها ثم يتولى جزاءها، فإن هذا التراخي يفيد طول الحساب، وطول الحساب عذاب في ذات نفسه، وهو في الوقت ذاته يدل على دقته إذ تقام الموازين بالقسط. والثانية: التعبير بـ (توفى) فإن فيه إشارة إلى أنه لَا ينقص شيء مما عملت إن خيرا وإن شرا، إلا أن يتغمده الله برحمته فيعفو عن بعض السيئات وهو العفو الغفور، والثالثة: أنه عبر سبحانه وتعالى عن المساواة بين العمل والجزاء بقوله سبحانه (مَّا كسَبَتْ) فإن هذا التعبير يفيد بظاهره أن الوفاء يكون بالعمل ذاته، ولكن المعنى: جزاء ما كسبت ولكنه سبحانه عبر بهذا التعبير للدلالة على


(١) متفق عليه؛ وقد رواه بألفاظ متقاربة البخاري: الأحكام - هدايا العمال (٦٦٣٩)، ومسلم: الامارة (١٨٣٢)، كما رواه أبو داود: الخراج والإمارة والفيء (٢٥٥٧)، وأحمد: باقي مسند الأنصار (٢٢٤٩٢)، والدارمي: الزكاة (١٦٠٩). تيعر، من اليعار وهو صوت الشاة. والعفرة: بياض غير ناصع مشرب بحمرة أو سمرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>