للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإسلام، وقد أقره الإسلام بشروط، والدليل على أنه بمعنى العقد كان معروفا في الجاهلية قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ولدت من نكاح، ولم أخرج من سفاح " (١) أي أنه - صلى الله عليه وسلم - في سلسلة نسبه الشريف لم تكن ولادة أي جد من جدوده، أو جدة من جداته إلا من نكاح صحيح حتى إسماعيل عليه السلام، وعلى ذلك يكون المراد من قوله تعالى: (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتَّى يُؤْمِنَّ) النهي عن العقد عليهن.

والإنكاح: هو التزويج؛ فالنكاح الزواج، والإنكاح مباشرة العقد، وهو أكثر ما يكون عندما يتولى الشخص الزواج عن الغير، فمعنى (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ) لا تتزوجوهن؛ ومعنى (وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكينَ) لَا تزوجوهن من نسائكم، فقد جرى العرف على أن المرأة يتولى زواجها أحد قرابتها، وقد استنبط الجمهور من هذه الصيغة أن المرأة ليس لها أن تتولى عقد زواجها، وأن العقد لَا ينعقد بعبارة النساء، وخالف في ذلك أبو حنيفة وانفرد بالمخالفة؛ وروي عن أبي يوسف تلميذه أنه يرى رأيه؛ وقد قال أبو حنيفة: إن المرأة لها أن تتولى زواج نفسها، وتنفرد بالعقد، بشرط أن يكون الزوج كفئا، فإن كان غير كفء فلا يجوز العقد، وأن قوله تعالى: (وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكينَ) جرى مجرى الأغلب الشائع، ولأن ذلك هو الحسن المندوب إليه، لَا اللازم الذي لَا يجوز خلافه.

والمشركون - هم عبدة الأوثان. وأصله من الإشراك، وأصل كلمة أشركته بمعنى جعلت الشيء بينه وبين غيره شركة، والشركة كما تكون في الحسيات والأشياء، تكون في المعاني؛ فيقال أشركته في أمري، وقد قال الله سبحانه وتعالى


= العقد؛ ولقد قال بعض الحنفية والزجاج والفارسي: إنه مشترك بينهما، فهو حقيقة فيهما؛ ولقد صرح الزمخشري أن أكثر وروده في القرآن بمعنى العقد، وقال أبو الحسين بن فارس: إن النكاح لم يرد في القرآن إلا لتزويج إلا قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ. . .)، ويختار الراغب الأصفهاني أنه مجاز في الوطء؛ لأن العرب ما كانوا يصرحون بهذه العلاقة بل يكون، فالأولى أن يكون إطلاقه على الوطء مجازا.
(١) رواه البيهقيْ باب نكاح أهل الشرك وطلاقهم ج ١٠ ص ٤٥٥، عن جعفر بن محمد عن أبيه، ورواه البخاري في الأدب المفرد، والطبراني في الأوسط عن عليّ رفعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>