يحتكمون إلى القر عة، ليعرفوا بطريق التفويض للغيب أيهم يكفل مريم فتضم إليه، وقد ذكر سبحانه منِ قبل أن الكفالة بهذه القرعة آلت إلى زكريا علمِه السلام، إذ قال من قبل:(وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا. . .).
ما كنت عندهم في هذا الوقت، وما تلقيت بالسماع من أحد، وما كنت تقرأ في كتاب، فمن أي شيء علمت هذا الغيب الذي لَا يعلمه أحد؛ إنه لَا بد أن يكون من عند الله تعالى، فهذه الجملة الكريمة سيقت لإثبات أن العلم كان وحيا من عند الله العليم الخبير.
وهنا بعض مباحث نشير إليها:
أولها: أن " لدى " معناها " عند "، و " لدى " هنا تشير إلى معنى ليس في " عند "؛ ذلك أنها تشير إلى عندية بعيدة غير حاضرة ولا قريبة في الزمن؛ فهي تشير إلى أن خبر مريم وولادتها خبر بعيد موغل في القدم بالنسبة للإنسان، فما كانت هذه العندية متصورة، وما كان لأحد أن يعلم ما عند القوم علم من يشاهد ويعاين؛ لأن كثيرا منها كان نفسيا قلبيا، وبعضه كان حسيا ماديا ولكن لم يعلم للناس.
وثانيها: أن هذه القصة ليست معلومة على هذا الوجه عند المسيحيين، ولا يسعهم تكذيبها؛ لأنها أقرب إلى العقول مما ينسبونه لمريم من أنها كانت ذات بعل، أو مخطوبة أو نحو ذلك، فما عندهم مدعاة للشك، وما ذكره القرآن مدعاة للصدق والطهر والنقاء، وهذا الذي يرشح للآية الكبرى بولادتها من غير حمل " فأي الخبرين أصدق قيلا؟
وثالثها: وهو أن هذه القصة بما تشير إليه الآية الكريمة: (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) تشير إلى بعض معاني الإعجاز في القرآن الكريم، وهو حكاية أخبار الأولين التي لم يكن يعلمها أحد إلا ربُّ العالمين، وهي حكاية دلائل الصدق فيها واضحة، وبينات الحق فيها لائحة، وإذا كان النبي لَا يعلمها عن