هذا هو البحث اللغوي الذي يظهر لنا بعض ما في النص الكريم من دقة وإحكام وإشارات بينة محكمة.
أما البحث الموضوعي، فهو (مَا بَقِيَ) الذي أوجب الله تركه في قوله: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) ما المراد منه: أهو الجزء الباقي من الربا الواجب التنفيذ بمقتضى العقد؛ وهل الجزء الذي تسلموه من قبل مباح أو في موضع العفو؟ قال العلماء ذلك؛ أي أن الآية خاصة بالذين كانوا يتعاملون بالربا، ولهم عقود ربوية قد قبضوا بعضها، فإن لهم ما سلف، أما الباقي فليس لهم أن يقبضوه، وإن كان بعقود ربوية عقدت قبل التحريم. ويزكي هذا المعنى قوله تعالى من قبل:(فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ من رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ. . .).
ولقد روي في سبب نزول هذه الآية أنه كان بين قوم من ثقيف، وبني المغيرة من بني مخزوم عقود ربًا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام وحرم الربا ودخلت ثقيف في الإسلام طالبوا بني مخروم بالربا الذي تعاقدوا عليه من قبل، فقال أولئك؛ لا نؤدي الربا في الإسلام بكسب الإسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت هذه الآية (١).
وترى من هذا أن ما أخذ قبل التحريم فأمره إلى الله تعالى، وما كان بعد التحريم لَا يحل، ولو كان العقد قبله، ولذلك كانت الأحكام الإسلامية واجبة التطبيق على العقود التي تعقد قبل الإسلام إذا كانت مستمرة التنفيذ بعده وأحكامها تشتمل على أمر منهي عنه في الإسلام.
هذا حكم الله، ومن امتنع عن تنفيذه فإنه يحاد الله ورسوله، ولذا قال تعالى بعد ذلك:
(١) راجع: أسباب النزول - الواحدي - سورة البقرة من الآية (٢٧٨) إلى الآية (٢٧٩). وراجع تفسير الطبري، والدر المثور للسيوطي ج ١ ص ٣٦٦.