للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيها: قوله تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ) فهذا النص يفيد أن من مقتضيات التقوى اجتناب الربا، لأن التقوى معناها أن يجعل المؤمن بينه وبين الآثام وقاية، وأن يجعل بينه وبين غضب الله تعالى وقاية، وأن يجعل بينه وبين إيذاء الناس وقاية. والربا ضد هذا كله، لأنه يعرض المرء للمآثم، فإنه بمجرد أن يعجز المدين عن الوفاء - وذلك كثير - تتوالى المطالبة المصحوبة بالأذى والترصد المستمر حتى قصبح عيشة المدين ضنكًا، وقد يبخع نفسه تخلصًا من تلك المآثم المتوالية المستمرة.

ثالثها: أنه سبحانه جعل ترك الربا شرطا للاستمرار على الإيمان، فقال في ختام الآية الكريمة: (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) أي إن كنتم مستمرين على حكم الإيمان، مذعنين لأحكام الديان.

وهنا بحثان أحدهما لغوي، والآخر موضوعي:

أما البحث اللغوي فهو في معنى كلمة " ذَرُوا " فإن معناها اتركوا. وقد قال النحويون: إن ماضي " ذروا " ومصدرها قد أماتهما العرب كالشأن في دع ويدع، وقد قال في ذلك الراغب الأصفهاني: " يقال في ذلك فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة اعتداده به، ولم يستعمل ماضيه؛ وهذا الكلام يدل على أن الماضي قد مات، وعلى أن " يذر " لَا تستعمل في مطلق الترك، بل تطلق على الترك الذي يصحبه عدم اعتداد بالمتروك، فكأن معنى (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) اتركوه غير معتدين به، بل اتركوه مهملين له، لأنه أذى في ذاته.

والزمخشري يقرر ذلك في أساس البلاغة ولكنه يقرر أن المصدر هو الذي مات، وليس الماضي، ولذا قال في أساس البلاغة: (ذره واحذره، والعرب أماتت المصدر منه، فيقولون: ذر تركًا، وإذا قيل لهم ذروه قالوا وذرناه). وهذا معنى جديد أتى به الإمام الزمخشري في معنى ذره، لأنه يدل على ترك الشيء مع الحذر منه، فكأن معنى (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ): اتركوه غير معتدين به حذرين من أن تنالوا منه شيئًا فإنه إثم كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>