للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَمَّن لَا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى).

الكلمة (يَهِدِّي) فيها إعلال أصلها (يهتدي) وقلبت التاء دالا لقربها من حروف الإطباق، وأدغمت التاء في الدال وكسرت الهاء للتخلص من الساكنين، والأصل في التخلص من النطق بالساكنين يكون بالكسر؛ وهناك قراءة أخرى وهي فتح الهاء؛ لأن حركة التاء قبل الإدغام كانت الفتح فكان الفتح رمزا للأصل.

وإن هذه الصيغة تفيد أنه لَا يهتدي إلا بصعوبة بل لَا يهتدي أصلا، ولكن كان الفرض أن يكون اهتداء بعد أن توجد الهداية الداعية المرشدة، وكل هذا فيه توبيخ وتبكيت لهم وهم عقلاء، فيهم من نطق بالحكمة وأرادها، ثم يتبعون من لا يرشد ولا يهدي.

إن العاقل إذا رأى هاديا مرشدا يدعوه ومعه الأدلة المتضافرة والآيات المبينة ورأى بجواره أصم لَا يهدي ولا يرشد فأيهما يتبع، ولذا قال تعالى: (فَمَا لَكمْ) وهذا استفهام إنكاري عن حالهم المضطربة الحائرة، ثم أردفها سبحانه باستفهام يوضح اضطراب فكرهم وفساد تقديرهم فقال تعالى: (كَيْفَ تَحْكمُونَ).

وهذا للاستنكار، فبأي أحوال النفس العاقلة تحكمون على تصرفاتكم هذه! تتركون الهادي المرشد وتتبعون من لَا يضر ولا ينفع، ويصعب أن يهتدي بل لا يمكن أن يهتدي ولو جاءه أهدى الهدى.

وقد بين سبحانه أنهم لَا يتبعون الأصنام وغيرها مستيقنين، بل يظنون ظنا بأوهامهم أن لهذه الأصنام وأشباهها قوة وأنها تستحق العبادة، ولذا قال تعالى:

(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٣٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>