هذه كلمة إجمالية في حكم النذر واختلاف أقوال الفقهاء فيه، ومن المفيد في هذا الموضع أن نتكلم في أمرين:
أحدهما: في نذر القيام بقربة في مكان معيَّن، كالصدقة عند البيت الحرام، أو عند المسجد الفلاني.
وثانيهما: هل النذر في ذاته حسن في الدين أو ليس بحسن؟ فقد كان الكلام في وجوب الوفاء به. أما الكلام في هذا الموضع فهو في أصله أيكون من المستحسن أن يلتزم الإنسان الطاعة أم يفعلها ولا يقيد نفسه بالتزامها أولاً ثم يفعلها؟.
أما بالنسبة للأمر الأول، فقد اتفق الفقهاء على أن الالتزام بقربة في مكان تشد الرحال إليه وله مزيد اختصاص بالفضل في الشرع، كالمسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، يجب الوفاء به؛ فقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على أنه لا تشد الرحال إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، فالنذر بالصلاة فيها أو الصدقة عندها يجب الوفاء به؛ لأن الصدقة في ذاتها قربة، والاتجاه إلى الله في هذه الأمكنة بالذات قربة ثانية.
وأما إذا كان المكان الذي نذرت القربة فيه ليس من الأماكن التي تشد الرحال إليها، فقد قال كثيرون من الفقهاء: تجب القربة من غير تقييد بالمكان؛ فمن نذر أن يتصدق عند مسجد الحسين أو غيره فالوفاء واجب من غير تقيد بالمكان.
وقال بعض الفقهاء: يجب الوفاء بهذا المكان الذي عيَّنه، واستدلوا على ذلك بما روى أبو داود أن ثابت بن الضحاك قال:" نذر رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينحر إبلًا ببوانة فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " أكان فيها وثن يعبد؟ " قال: لَا، قال: " فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " فقال: لَا، فقال: " أوف بنذرك، فإنه لَا وفاء لنذر في معصية الله تعالى، ولا في قطيعة رحم، ولا فيما لَا يملك ابن آدم " (١).
(١) رواه بنحو من ذلك أبو داود: الأيمان والنذور - ما يلزم به من الوفاء بالنذر (٢٨٨١) عن ثَابِت بْن الضَّحَّاكِ. وبوانة: قيل هضبة وراء ينبع، وقيل: موضع بين الشام وديار بكر، وقال البغوي: أسفل مكة دون يلملم.