للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهذا يتبين أن الوفاء بالنذر واجب ما دام غير معصية، وفي مكان لَا معصية فيه، ولكن هل النذر عند الأضرحة والقبور خال من المعصية؟ إن ذلك موضع نظر، والاحتياط في النذور أن تكون لله خالصة.

أما الأمر الثاني، وهو التزام الطاعات بالنذور المطلقة أو النذور المعلقة على شرط، أهو أمر مستحب، أم الأولى خلافه وإن كان يجب الوفاء به إن التزمه؛ لقد اختلف في ذلك الفقهاء؛ فقال فريق كبير منهم: إن الأولى ألا ينذر العبادة، بل يقوم بها متى قدر عليها من غير نذر، وذلك لما روي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن النذر، وقال: " إنه لَا يأتي بخير، وإنما يستخرج الله به من البخيل " (١) وإن أكثر النذور في الماضي كما هي في الحاضر تكون لرجاء أمر فتعلق القربة على وجوده، أو للخوف من نتائج أمر فتعلق القربة على عدمه، وإن تعليق القربة على ذلك أمر غير مستحسن، بل هو مكروه، بل صرح بعض الأئمة بأنه حرام؛ ولقد قال ذلك القول كثيرون من فقهاء الذاهب الأربعة، بل رواه أبو داود عن بعض الصحابة.

وقال آخرون: إن النذر مستحب؛ لأنه يحمل الشخص على القيام بالقرب، فهو تقوية للعزيمة على الطاعة؛ ولقد صرح النووي في المجموع بأنه مستحب.

وعندي أن النذر غير المعلق على شرط قد يكون مستحبا لما فيه من حمل النفس على الإصرار على الطاعات، وأما المعلق على شرط، فهو الذي ينطبق عليه الحديث، وقد صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لَا يأتي بخير لمنع اعتقاد الناس ذلك، وكثيرون يتوهمون أن النذر يغير القدر، فنفَى النبي - صلى الله عليه وسلم - صحة اعتقادهم. والله سبحانه هو القادر على كل شيء، وله عاقبة الأمور.

* * *


(١) رواه بهذا اللفظ مسلم: النذر - النذر وأنه لَا يرد شيئا (٣٠٩٥٩، والنسائي: الأيمان والنذور: النهي عن النذر (٣٧٤١) عن ابن عمر رضي الله عنه، ورواه البخاري بنحوه: النذر - إلقاء العبد النذر إلى القدر (٦١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>