للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحكمة على هذا التوجيه هي علو بالإنسان، وسمو به، إذ إنه يخلص نفسه من الأهواء المردية، ومن الشهوات الجسدية الأرضية. ومن المأثور أن الإنسان فيه طبيعتان: طبيعة أرضية منها ينفذ الشيطان، وطبيعة ملكية بها سموه، ومن جانبها تنفذ دعوة الديَّان، فإن غلبت عليه طبيعته الأرضية غلبت عليه شقوته وكان شرًّا من الشيطان، وإن غلبت عليه الثانية سمت إنسانيته وكان أفضل منِ الملك، وتلك هي الحكمة، ولذا قال تعالى: (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرَا كَثِيرًا).

(وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ) أي وما يتذكر ويعتبر بأوامر الله تعالى، ويستولي على نفسه ويحارب أهواءه حتى يقذف الله في قلبه بنور الحكمة إلا أولو الألباب، أي أصحاب العقول التي تصيب الحق وتدركه، وتتجه إليه غير متأشبة بلذة من لذات الجسد، أو شهوة من شهوات الدنيا المردية.

فاللب معناه العقل، ولكنه لَا يستعمل في القرآن إلا في العقول المستقيمة المدركة التي تخلصت وسلمت من شوائب الهوى، ومعايب اللذات، فهي العقول المسيطرة التي تستخدم لطلب الحق وتوصل إليه، لَا العقول المسخرة للأهواء واللذائذ تتحكم فيها وتسيرها. وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بذلك الختام الحكيم، للإشارة إلى أن الله سبحانه الذي يعطي حكمته من يشاء لَا يعطيها إلا للذين خلَّصوا قلوبهم من الفاسد والملاذِّ الأرضية، ولم يجعلوها حاكمة على قلوبهم، متحكمة في تفكيرهم.

وللإشارة إلى أن الذين يجيبون داعي الله، ويردون داعي الشيطان هم ذوو العقول المستقيمة، فلا يتحكم الشيطان إلا في غفوة من غفوات العقل المدرك " وللحث على وجوب تذكر الله دائمًا، وأن على ذوي العقول أن يتجهوا بعقولهم دائمًا لله ليتذكروا ويعتبروا، ويستبصروا، فإنها لَا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، والله سبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء الهادي إلى سواء السبيل.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>