للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئسَ الْمَصيرُ)، وقد أشار إلى هذا العذاب بقوله سبحانه: (وَلَوِ افْتَدَى بِه) أي لو افتدى نفسه من عذاب الآخرة بمثل الذهب الذي يملأ الأرض. والواو هنا تفيد أنه لَا يقبل منه أي إنفاق يقدمه ولو كان ذلك الإنفاق قدمه ليفتدي به نفسه من عذاب الله. ثم بين سبحانه العذاب بقوله تعالى: (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ).

أي أولئك الذين ماتوا وهم كفار بسبب الكفر الذي لازموه حتى موتهم، لهم عذاب مؤلم شديد الإيلام مستمر، وليس لهم ناصر، و (من) هنا لاستغراق النفي، أي ليس لهم أي ناصر مهما يكن، فمن كانوا يتخذونهم شفعاء لَا يشفعون لهم، والرسل الذين كانوا يتعلقون بهم لَا يعرفونهم، ولا نجاة لهم من عذاب الله، لا بفدية يفتدون بها أنفسهم، ولا بناصر ينصرهم من دون الله، وبذلك يكونون حطب جهنم والنار مأواهم وبئس المصير، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

وهنا بحث لفظي أثاره إمام اللغة الزمخشري، وهو لماذا عبر في الآية السابقة في الخبر من غير فاء، في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) وفي هذه الآية أتى بالفَاء فقال: (إِنَّ الَّذين كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ) إلى آخره، وقد أجاب عن ذلك بقوله: " قد أوذن بالفاء أن الكلام بني على الشرط والجزاء، وأن سبب امتناع قبول الفدية هو الموت على الكفر، وبترك " الفاء " أن الكلام مبتدأ وخبر ولا دليل فيه على التسبب، كما تقول: الذي جاءنى له درهم، لم تجعل المجيء سببا في استحقاق الدرهم، بخلاف قولك: فله درهم.

وإن ذلك الكلام مغزاه أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبين لهم أن هذا الجزاء نتيجة للعمل، وأنه مسبب عنه لأن الجزاء من جنس الفعل دائما، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وأما في الآية الأولى فلأن عدم قبول التوبة ليس جزاء، إذ معناه عدم وجود توبة صالحة للقبول، أجرى القول مجرى الإخبار كأنه وصف ملازم لحالهم، أو هو حال أخرى من أحوالهم، وإذا كان الجزاء من جنس العمل دائما، فإن الله بعد أن بين جزاء الشر بين سبحانه جزاء الخير فقال تعالت كلماته:

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>