للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالمعروف والنهي عن المنكر، والآيات الآمرة بهما، والأحاديث الواردة فيهما لا تزال قائمة ولا ينسخها وهم يسبق إلى ذوي الأوهام من غير نص يدل عليه، ولقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مقام هذه الآية بالنسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عليه الصلاة والسلام: " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شرا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأى برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فإن من ورائكم أياما الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم " (١) وروي عن بعض التابعين أنه قال: كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت أنا: أليس الله تعالى قال في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم). فأقبلوا على بلسان واحد، وإني لأصغرهم سنا، وقالوا: أتنزع آية من القرآن لَا تعرفها، ولا تدري ما تأوليها؟! فتمنيت أني لم أكن تكلمت، وأقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم، قالوا: إنك غلام حديث السن، وإنك نزعت آية ولا تدري ما هي، وعسى أن تدرك ذلك الزمان، إذا رأيت شرا مطاعا وهوى متبعا، وإعجاب كل ذي رأى برأيه، فعليك بنفسك لَا يضركم من ضل إذا اهتديت.

وخلاصة المروي عن آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين اتبعوهم بإحسان أن الآية لا تمنع القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل القيام به واجب محكم وإنه لَا يتم الاهتداء المنصوص عليه في الآية إلا بالقيام بهذا الواجب الخطير، وإنه، لا يترك إلا بحقه، وذلك إذا كان النداء بالحق يورث الفتن عندما يكون الهوى مطاعا والشر متبعا ولا يستطيع منادي الحق، أن يجد مصيخا (٢) وقوله يزيد حدة الخلاف، ولا يكون سماع لذوي الكيس والرشد، ولقد قال عبد الله بن المبارك: إن هذه الآية أوكد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الخطاب لجماعة


(١) رواه الترمذي: تفسير القرآن - ومن سورة المائدة (٣٠٨٥) وقَالَ أبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيب. كما رواه أبو دود: الملاحم - الأمر والنهي (٤٣٤١)، وابن ماجه: الفتن (٤٠١٤)، وفيه زيادة: " ورأيت أمرا لَا يَدان لك به " أي لَا قدرة لك به.
(٢) مصيخا: مستمعا. القاموس - صيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>