للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعندي أن الخطاب عام، ويدخل فيه النهي عن هذه الحال التي كانت من قريش " ومرمى الآية في معناها العام أو الخاص هو التسوية المطلقة بين الناس في تلك البقعة المباركة وفي ذلك المنسك المعظم.

(وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رحِيمٌ) ختم سبحانه الآية الكريمة التي تشتمل على آخر منسك من مناسك الحج، إذ يكون بعده التحلل، وإن بقيت بعض العبادات الأخرى، بالأمر بالاستغفار وهو طلب المغفرة من الله القدير؛ وطلب المغفرة فور العبادة أمر توحي به النفس المؤمنة البرة؛ وذلك لأن العبادة تطهر قلب العابد، وتزيل أدرانه، فتجعله يحس بما كان منه قبلها، فيضرع إلى المولى أن يستره بستره، ويصفح عنه بعفوه، ولأن المؤمن الخالص الإيمان كلما أرهفت مشاعره وقويت روحه، أحس بأنه مقصر أمام المنعم، لَا يصل إلى الوفاء بحقه، فيلجأ إلى الاستغفار عن التقصير، ولأن الاستغفار نفسه عبادة، وهو أبر الطاعات، ولذا يقول بعض الصوفية: رب معصية أورثت ذلا وانكسارًا، خير من طاعة أورثت دلا واستكبارًا.

والاستغفار ثمرة الحج، لأنه التطهير النهائي للنفس، فيعود الحاج الذي لم يفسق ولم يرفث كيوم ولدته أمه، ولقد ذيل سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله: (إِنَّ اللَّهَ غفُورٌ رحِيمٌ) أي أن الله سبحانه وتعالى كثير المغفرة، وأن الغفران وصف له سبحانه في معاملته لعباده؛ والسبب في ذلك أنه رحيم بالناس؛ ومن الرحمة بهم أن يغفر للمذنب " ليعطيه فرصة النجاة من ماضيه واطراح مآثمه، واستقبال حياة جديدة نزهة يخم فيها بالطهر وينتفع منه الناس؛ وذلك رحمة به وبالناس؛ فالمجتمع يستفيد من كثرة التائبين، ولا يستفيد من كثرة اليائسين من رحمة الله، إذ يستمرون في غيهم يأسا من غفران ربهم؛ ولذا قال سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم).

<<  <  ج: ص:  >  >>