(وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) هذا تخصيص لموسى عليه السلام بالذكر، ولم يذكر في ضمن من ذكروا من السابقين؛ وذلك لأنه هو الذي نزلت عليه التوراة التي كانت شريعة لمن جاء بعده، ولأن اليهود الذين جحدوا بآيات الله كانوا يدَّعون الأخذ بشريعته، ولأنه نزل به اختبار شديد بسبب بني إسرائيل الذين كانوا محل رسالته، وأخيرا لأنه اختص من بين المذكورين بأن الله تعالى كلمه، وقد جاء الصريح بأنه كلمه في هذا النصِ، وفي غيره ومن ذلك قوله تعالى في أول سورة طه:(فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣).
وإن هذا يدل على أن الله تعالى متصف بصفة الكلام، والمعتزلة من الفرق الإسلامية ينكرون نسبة صفة الكلامِ لله تعالى، ويذهب فرط غلو بعضهم إلى أن يفسروا قوله تعالى (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا) بأنه كَلَّم من الكَلْم لَا من الكلام، أي أن الله تعالى اختبر موسى - عليه السلام - اختبارات شديدة كانت كالكلام والجروح وتلك مغالاة في تفسير القرآن الكريم بالمذهبية، وقد أنكره الزمخشري - وهو منهم - وسماه من بدع التفاسير. والحق أن كَلَّم من الكلام، وقد أكد تكليم الله تعالى لموسى بالمصدر، والظاهر من الكلام إذا أكد، كان غير قابل للمجاز ولا للتأويل، وأنه يجب تفسير القرآن بظواهره، وخصوصا الظواهر المؤكدة ولا تطغى الآراء المذهبية على المعاني القرآنية، فالقرآن منبع الحق، ونور المتقين.