الذين يتحرون الإحسان إلى معاشريهم ومخالطيهم والمتصلين بهم؛ فالتعبير بالمحسنين؛ للإشارة إلى أن ذلك الواجب هو من قبيل الإحسان في المودة، والإشعار بالقربى في وقت الانفصال، ومنع الغضاضة والألم، وتطييب القلوب؛ وذلك لا ينافي الوجوب واللؤوم.
ولقد قال بعض العلماء: إن التعبير بالمحسنين يدل على أن المتعة غير واجبة، وذلك لاعتقاده أن الإحسان تبرع غير واجب، وكان ذلك حقا علي المحسنين الذين يُلزمون أنفسهم بما لَا يلتزم به الناس. ولكن الظاهر غير ذلك القول؛ لأن الإحسان لا ينافي الوجوب الذي دلَّ عليه الأمر في قوله تعالى:(وَمَتِّعُوهُنَّ) وثأكد ذلك الأمر بقوله: (حَقا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)؛ لأن الإحسان في ذاته: الإجادة والإتقان وتحري الحق وأداؤه على الوجه الأكمل، وذلك يتلاقى مع معنى الوجوب؛ وقد ورد الإحسان في القرآن شيء معنى الواجب فقد قال تعالى عن نفوس الكافرين يوم القيامة:(أَوْ تَقولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، أي يكون ممن يؤدون الواجبات كلها فيكون من المحسنين، وذلك لَا يتصور فيه معنى التبرع، بل وفوق ذلك فإن قوله تعالى:(عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)، يؤكد معنى الوجوب؛ إذ فيه التعبير بعلى التي تفيد اللزوم؛ وفيه أن المقل والمكثر عليهما أداء بطاقتهما؛ ولو كانت المتعة تبرعا لأعفى منه المقل، واستحسنت من المكثر، ومع أن المتعة واجبة إذا لم يكن ثمة مهر مسمى في العقد، ولم يكن دخول؛ فإن الشارع قد ترك تقديرها إلى نظر المطلق، وتقديره وطاقته، ولم يكن لها حد معلوم؛ وقد قدرها الحنفية بكسوة كاملة للمرأة وهي لباس الخروج، فإن المرأة تلبس عادة عند خروجها أكمل ثيابها، وتركوا نوع الثياب إلى طاقة الرجل وتقديره، واشترطوا ألا تقل عن خمسة دراهم، وهي نصف الحد الأدنى للمهر عندهم، وإذا اختلف الرجل والمرأة في تقديرها، كان الحكم في ترجيح قول أحدهما على الآخر نصف مهر مثلها؛ فإن كان أَقل مما ادعى الزوج كان القول قوله، وإن كان أكثر مما تدعي الزوجة كان القول قولها.