للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالقنوت على هذا المعنى الإسلامي الرائع: ملازمة الطاعة والقيام بالعبادة في خشوع ضارع، وانصراف كامل، وشعور بالعبودية الحقة لله رب العالمين؛ فمعنى قوله تعالى: (وَقُومًوا لِلَّهِ قَانتين): قوموا بعبادتكم على وجهها الكامل ملازمين للخضوع والخشوع، غير مفرطين، ولا منصرفين عن رب العالمين، مستشعرين عظمته، قد ملأت قلوبكم هيبته.

ونرى من هذا أن قوله تعالى: (وَقومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) يزكي ما اختاره ابن عبد البر ويقويه، وهو أن معنى الصلاة الوسطى، الصلاة الفضلى والمثلى، وهي التي تؤدى على الوجه الأكمل.

ولهذا المعنى السامي في الصلاة، كانت أعظم أركان الإسلام بعد شهادة أن لا إله إلا الله، فإن كانت (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هي الفارق بين الإسلام والكفر، فالصلاة ثمرتها الأولى، والدعامة من بعد ذلك لكل الطاعات والفرائض؛ بها إن أديت على وجهها تستعصم النفس عند الشهوات، وبها إن أديت على وجهها يلتزم العبد ما أمر الله، وينتهي عما نهى الله سبحانه وتعالى عنه، وبها يكون التعامل الفاضل بين الناس بعضهم مع بعض؛ لأنها ذكر دائم لله سبحانه وتعالى، فتمتلئ النفس البشرية بعظمة الله، وتستنير البصيرة، ويتجه المؤمن إلى الخير؛ ولقد قال بعض العلماء إن ترك الصلاة كفر وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " (١) وروى الإمام أحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عندما ذكر الصلاة: " من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبي بن خلف " (٢).


(١) [رواه مسلم: الإيمان - بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة (١١٦) كما رواه الترمذي: الإيمان (٢٥٤٤)، وأبو داود: السنة (٤٠٥٨)، وابن ماجه: إقامة الصلاة (١٠٦٨)، وأحمد: باقي المكثرين (١٤٤٥١)، والدارمي: الصلاة (١٢٠٥)].
(٢) رواه بهذا اللفظ الدارمي: الرقاق - في المحافظة على الصلاة (٢٦٠٥)، وبنحوه أخرجه أحمد: مسند المكثرين (٦٢٨٨) عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>