اختار الله سبحانه وتعالى لقصصه الذي جعله عبرة للمعتبرين بني إسرائيل، لأنهم اتصلوا بالعرب، ولأن النبوات المعروفة للعالم في عصر نزول القرآن كانت فيهم، ولأنهم يلتقون مع قريش في إبراهيم أبي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ ولأنه تتمثل فيهم الطبائع البشرية في عزتها وانتصارها، وفي هزيمتها وانكسارها وتتمثل فيهم الطبيعة البشرية في لجاجة القول والمغالبة به في حال الضعف والاستخذاء، ونقدهم كل شيء في تلك الحال، وبعدهم عن العمل إلى الخلاف في المقال، وتتمثل فيهم الطبائع البشرية للجماعات المغلوبة عندما يعمل على إنقاذها من لم تنل الهزيمة من قلوبهم، ومن لم يستول الخور على نفوسهم.
قص الله سبحانه وتعالى ذلك القصص، وقد قال سبحانه:(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ. . .). فالمقصود من قصص القرآن العبرة والاعتبار لَا سرد وقائع وإمتاع الناس بسردها وتفصيلها عبرة لأولي الألباب، ولذلك يقصد المولى الكريم إلى موضع العبرة فيجليه، وإلى مكان الاستبصار فيبينه وتلك أقوم السبل، التربية بالتاريخ، والتثقيف بأحوال السابقين.
إن الإنسان ابن الإنسان، فمن يريك صورة للماضي مع العبرة، فهو يريك نفسك مع العظة، والماضي دائمًا نور يضيء للمستقبل، فهو المصباح الذي يحمله من يبتغي الهداية ويرجوها.
وإن في تلك القصة التي ذكرها القرآن الكريم، المنزل من حكيم عليم، عبرة للناس أجمعين، وخصوصًا الأمم التي تبتلى بالهزيمة. وقبل أن نخوض في تفسير مفصل -، نتكلم بكلام مجمل في القصة.