للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فليس في الآية دلالة على أن النظام الملكي الذي نعرفه فى عصرنا مطلوب لا بالعبارة ولا بالإشارة، لأنها ليست ملكية الوراثة والسلالة، بل رياسة العلم والقدرة والحكمة، فما اختير طالوت لسلالته ونسبه بل اختير لمعان شخصية فيه.

لقد كان مقتضى ما طلبوه من نبيهم من أن يختار ملكا أن ينفذوا من غير تردد الأمر فيما اختاره بهداية الله ووحيه؛ لأنهم فوضوا الأمر إلى نبيهم، ولأن الله سبحانه وتعالى هو الذي اختاره، وما كان لهم الخيرة بعد اختيار الله سبحانه وتعالى، ولأن الله قد اختاره لأجلهم ولمصلحتهم؛ ولذا عبر سبحانه وتعالى بقوله: (بَعَثَ لَكمْ طَالُوتَ) فالتعبير بـ " لكم " إشارة إلى أنه في مصلحتكم، وأنكم ستنتفعون بقوته، وستكون قوته لكم على أعداكم.

ولكنهم بدل أن يطيعوا ويأخذوا الأهبة أثاروا اللجاجة التي تعودوها؛ ولذلك قال سبحانه حكاية عنهم: (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بالْمُلْك منْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ).

تمردوا على نبيهم بذلك الاعتراض؛ لقد أبدوا اعتراضهم بعد أن فوضوا الأمر فناقضوا أنفسهم، وبنوا الاعتراض على أسباب جعلوها مناط الملك، وليست هي السبب للرياسة الصالحة والملك القوي، ظنوا أن سبب الملك أحد أمرين: إما سعة من المال وثروة طائلة، وإما سلالة ملكية توارثها، فقالوا: (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ) من أي جهة استمد الملك، أي أنه ليس في عروقه دم ملكي يستحق به الملك، وليس هو ذا نسب رفيع، بل أي واحد منا أحق بالملك منه؛ لأنه ليس من الأشراف، ولئن تجاوزنا شرف النسب وكرم الولادة لنجدن أنه فقير ليس في سعة من المال، فقد سلب منه سببا السيادة، وهما النسب والمال.

وكذلك يكون نفكير الجماعات التي سيطرت عليها الأهواء، وغلبت على أمرها، تتجه إلى الماديات فتحكمها، وتفقد تقدير المعنويات، وبذلك تختل مقاييس النقدير؛ فأول ما تبتلى به الجماعات الضعيفة أن تختل مقاييس العظمة فيها فإنه إذا اختل مقياس العظمة غمر العظماء، ولم يظهروا إلا بالمصادفات أو القوى الخارقة،

<<  <  ج: ص:  >  >>