للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بذلك فوق قوة المنة، يلقي بالرعب منظره في قلوب الأعداء، وبالهيبة في قلوب الأولياء؛ أو يراد ببسطة الجسم مطلق القوة؛ لأن طويل العظام عريض ما بين المنكبين يكون في غالب الأحوال قوي الجسم، فأطلق ذلك وأريد مطلق القوة.

ويلاحظ أنه قدمت بسطة العلم على بسطة الجسم للإشارة إلى أنها في الرياسة أقوى تأثيرًا، وأنها الأصل وغيرها التابع، وأنه ليست الحاجة إلى قوة الجسم بمقدار الحاجة إلى قوة الرأي والتدبير وسعة العلم وكثرة التجارب.

(وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ذَيَّلَ الله سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة بهذه الجملة السامية، للدلالة على أمرين:

أولهما: أن الأمور كلها بيده سبحانه وتعالى، وأنه فعال لما يريد، وأن ما يشاء في هذا الكون يقع، وما لَا يشاء لَا يقع، وأنه سبحانه يؤتي الملك في الدنيا لمن يشاء، وأنه إذ يعطيه هو المسيطر عليه، ولذلك أضيف الملك إليه إذ قال (مُلْكَهُ) فهو إذ يعطيه لمن يعطيه هو الغالب على أمره يستطيع أن يسلبه في أي وقت شاء، فهو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، وهو القاهر فوق عباده.

ثانيهما: أن كل شيء في الوجود تحت سلطان الله تعالى، وهذا معنى أن الله واسع، أي محيط بكل شيء، قد وسع كل شيء برحمته وقدرته، وأنه يدبر الأمور على مقتضى العلم الواسع الشامل؛ فهو يربط الأسباب والمسببات، وهو يعطي لحكمة يعلمها، ويمنع لحكمة يعلمها، يبتلى الأمم بالقوة والضعف والعزة والذلة، والهزيمة والانتصار، والبأساء والضراء، ثم النعماء والسراء، كما قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً. . .)، وعلى الأمم المغلوبة أن تتخذ الأسباب بجمع الكلمة، وتأليف القلوب، وتحرير النفوس من ربقة الأهواء والشهوات، ولا تستسلم للضعف، ولا تستخذي للقوى، وتناضل وتكافح وتصابر، وتتوكل على الله، وإلى الله مصير الأمور.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>