أجاب ذلك الملك بنقض الاختصاص الذي ذكره خليل الله لرب العالمين، وهو أنه وحده الذي يحيي ويميت، فقال ذلك الضال: أنا أحيي وأميت أيضا، ومرمى قوله أنه إذا كان ربك يا إبراهيم يحيي ويميت واستحق الربوبية لذلك، فأنا أيضا أحيي وأميت فاستحق هذه الربوبية، ويقصد بالإحياء كما يقول العلماء العفو عمن حكم عليه بالإعدام وبالإماتة وقتل من شاء قتله هذا ما قاله العلماء. ولو أن لي أن أقول كلامًا آخر لقلت إن ذلك الطاغوت يقصد بالإحياء الاستيلاد والاستنبات ونحو ذلك مما يفعله الإنسان ويتخذه سببا عاديا من أسباب ظهور الحي بحياته، وبالإماته القضاء على الحي بالقتل أو القطع أو الاستئصال ونحو ذلك مما يجوز أن تسند فيه أسباب الحياة إلى الإنسان وأسباب الإماتة إليه، وهذا بلا شك غير ما قصده الخليل عليه السلام، لأن ما قصده هو خلق الحياة وخلق الموت، وذلك ما لا يستطيعه إلا رب العالمين تعالى الله علوا كبيرا. وكان الخليل يستطيع أن يبين له تلك الحقيقة ويحرر موضع القول ولكن ذلك قد يجر إلى مراء فاختار طريقًا آخر أجدى
وأردع وأقوى وأشد إفحامًا، قال له ما حكاه رب العالمين في قوله:
(قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) لقد ادعى الطاغية أنه شريك الله سبحانه وتعالى، والشركة تقتضي المساواة في القدرة والسلطان والخلق والتكوين ولا تبدو تلك المساواة إلا إذا كان أحد المتساويين عنده قدرة على مقاومة إرادة الآخر وبسط سلطانه حيث بسط هو سلطانه، والله سبحانه ْيأتي بالشمس من المشرق، أي الجهة التي تشرق منها فعلى المدعي أن يعاند هذا النظام المسيطر الذي يدعي ربوبيته عليه، بأن يأتي بالشمس من جهة الغروب، ويعكس الفلك الدوار.
والفاء في قوله تعالى:(فَإِنَّ اللَّهَ يَأتِي) هي فاء الإفصاح التي تفصح عن شرط مقدر وتقدير القول: إذا كنت تدعي الألوهية أو الربوبية فأظهر أمارات قدرتك وسلطانك على الكون بأن تأتي بالشمس من جهة غروبها الآن بدل أن تخرج من جهة شروقها، والمعنى أن ذلك الكون قد خلق على نظام محكم وأحكم تنسيقه بنظم