للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتركيبها. وقرئ (كيف ننشرها) أي نحييها ونوجدها فالمعنى التفت إلى تكوين الله سبحانه وتعالى للإنسان والحيوان كيف ينشئ العظم أولا ويوجده ويركبه بعضه فوق بعض، حتى إذا تكونت العظام خلق سبحانه اللحم وتكون حول العظام كأنه الكسوة تكسوها فهذا كقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤).

ولقد أنتجت تلك البينات نتيجتها الحسية فحكى الله سبحانه ذلك عنه فقال:

(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي لما تبين له بالأدلة الحسية المادية القاطعة لكل جدل قال: " أعلم " أي استيقن وأومن وأعتقد " أن الله على كل شيء قدير ". ويدخل في ذلك العموم البعث والنشور وإنشاء الحياة وإعادتها، ولكن إذا كان ذلك المار المتحدث عنه من الأنبياء كيف يقال عنه أنه تبين بعد تلك الإعادة الحسية وأنه علم علما مقترنا بها؛ إذ معنى ذلك أنه لم يكن عالما بذلك قبلها؟ ونقول في ذلك: إنه إذا لم يكن نبيا فلا مورد للاعتراض ولا داعي للجواب، ولكن إن كان نبيا فللاعتراض مورد وللإجابة موضع فنقول: إن العلم درجات واليقين درجات فالعلم المبني على الأدلة العقلية وعلى الإذعان المطلق للحق ببيان من لَا يتطرق الظن إلى قوله هو نوع من العلم القاطع الجازم وهو مهما تكن درجته من القوة والإيمان والإذعان دون العلم المبني على التجربة والحس والعيان، فذلك العلم المبني على التجربة والحس هو العلم الجديد الذي علمه ذلك النبي والذي كان نتيجة لذلك التبين الحسي الذي لم يعتمد على التفكير المجرد بل اعتمد مع ذلك على قوة الحس والتجربة فالتقى للعلم سببان: سبب مشتق من التفكير والإيمان والتصديق، وسبب آخر مشتق من التجربة والعيان.

هذه هي القصة الأولى التي تؤكد بالحس الإيمان بالحياة بعد الموت وبالبعث والنشور. أما القصة الثانية التي تؤكد هذا فهي قصة سيدنا إبراهيم خليل الله فقد قال تعالى:

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>